[نظرة في مناهج التربية الاسلامية]
ـ[ابو حنيفة]ــــــــ[24 Feb 2009, 02:00 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لايختلف اثنان على أن التجديد والتطوير مطلب ملحٌ، تفرضه الحاجة، وينادي به المخلصون المهتمون به، وإن تركه يقف عثرة في طريق النهوض، وتحقيق الآمال المنشودة.
لنتفق أولا على أن التطوير لايسلتزم التغيير في المضمون دائما .. وإن كان له حظ في بعض الأحيان .. وإن حصل هذا التغيير فحتما إنه ليس مقصودا لذاته.
الكلام عن هذا الموضوع ربما يورث حساسية مفرطة عند بعض المهتمين بهذا الشأن لأنه يحمل رؤية، تنطلق من غيرة ناقصة، أو قل إن شئت مستعجلة، وربما بالتشكيك في النوايا، واللّمز بالجهل والتآمر.
منطلقات التطوير تختلف بحسب رؤية مريدها، وقربه منها، وتقبل الممارسين لها، كل هذا له التأثير الكبير في نجاح نتاجه المرتقب.
وقبل أن أبدأ أطلب منكم إحسان الظن بأخيكم ... والبعد عن قصور النظر، والانطلاق من نظرة الشمولية لمستقبل أبناء الأمة.
فأقول مستعينا بالله: إن مناهج التربية الإسلامية لها الأهمية الكبرى في حياة المسلم فهي تعيش معه حتى بعد الانتهاء منها، بل ولها تأثير في حياته وآخرته، ومناهج التربية الإسلامية في مدارسنا لها القيمة العلمية المشهودة من بين مناهج التعليم في العالم الإسلامي، وهذا فخر يجب أن لايذهب سدى ... ، فالمخرجات المتأخرة لهذه المناهج تدل على خلل رهيب يجب الحذر منه ومعالجته بأسرع وقت، ولعلك تعرف أحداً من زملائك تخرج من المرحلة الثانوية لايعرف قراءة بعض الآيات بل ويلحن فيها بشكل يثير الدهشة والاستنكار والأمثلة كثيرة ... واحترام كلام الله أكبر من أن أوردها لكم. وأما صغائر المسائل في الطهارة والعبادات فحدث عن دقائق الصمت التي تمر انتظاراً لإجابتها!!! كل هذا كان له التأثير على حياة الفرد والمجتمع على حد سواء.
أين الخلل ... ؟؟!! في الطلاب أم في المناهج؟؟!! يحق لك أن تسأل هذا السؤال ... والإجابة عليه لايملكها إلا من باشر تدريس مثل هذه المناهج وتعامل معها بشكل يومي وإن لم يملك الخبرة الطويلة التي يشترطها البعض للحديث عن التطوير وهو بعيد العهد عنها!!
والإجابة على السؤال السابق في رأيي تكون من جهتين هما أصل الموضوع الأولى المناهج وهو موضوعنا والآخر وهو الطلاب وهو مالن أتحدث عنه الآن لئلا يطول المقام، وتضعف أهمية الموضوع.
مناهج التربية الإسلامية عموما تتداخل فيما بينها في بعض المواضيع، وتفترق من نفس الحيثية أيضا وليس الأمر سواء ... إذا أن الأصل أن تصنف باعتبار فنونها استقلالا وماجاء تبعاً فالحكم للغالب.
في المرحلة المتوسطة حصة واحدة في الأسبوع لمادة القران الكريم لتلاوة سور الجزء العشرون وحفظ سورة كاملة من الجزء التاسع والعشرون التي تتطلب من طلابها حسن التلاوة والحفظ كهدفين أساسيين ... لك أن تتصور فصلاً فيه أربعون طالباً يجب عليك وعلى طلابك أن يتقنوا ذلك في 18 حصة فقط طوال الفصل الدراسي الواحد ... !! والنتيجة أننا لم نحصل على حصيلة مرضية من الطلاب تحقق الأهداف المرجوة لهذه المادة ... مماكان له الأثر السئ على مسيرة الطلاب حتى بعد إنهائهم الدراسة بشكل كامل.
ومادة التفسير حصتان تدرس تفسير جزء من القران و تتطلب منهم الفهم لمعاني الآيات ودلالاتها، دون العناية الشديدة بالتلاوة والحفظ ... والنتيجة لاتختلف عن سابقتها البتة.
كل هذا اهتمام وتركيز على الكم فقط دون النظر إلى مدى الاستفادة وتحقيق النتائج الموضوعة لكل من المادتين ...
وكمدخل للحل في رأيي أقول: لايجوز أن نولي الاهتمام لإحدى المادتين على حساب الأخرى، أو أن نقلل منها ... فكليهما مادتين مرتبطتين بكلام الباري سبحانه لهما من الأهمية مالايخفى، ولكي نحافظ عليهما ونحقق المطلوب كواقع عملي ينعكس أثره على حياة الفرد والمجتمع أرى دمج المادتين لتكون مادة واحدة بواقع ثلاث حصص في الأسبوع تتناول جزءاً من القرآن أو أقل من ذلك، تتكون من مقاطع للآيات يطلب من الطالب فيها التلاوة والحفظ وفهم المعاني والدلالات. وسيكون ذلك يسيرا على الطلاب وعلى المعلم، ومحققا للأهداف، ومحافظاً على القيمة العلمية، وستنعكس آثاره الإيجابية على سلوك الطالب ومجتمعه.
نقلة أخرى ليست ببعيدة عن هاتين المادتين هما مادتي الحديث والفقه فالأولى حصة واحدة في الأسبوع، تتناول أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في مواضيع شتى ... ويبدوا والله أعلم أنها ليست موضوعة بعناية تناسب المرحلة التي فيها وتراعي تجاور المواد الأخرى لها، والأغرب من هذا تباعد المواضيع فيما بينها، وتشتتها في الأفكار والترتيب. فتجد فيها أحاديث عن الوضوء والصلاة وتفصيلها في مادة الفقه في نفس المرحلة، وتجد أيضا حديثا يتناول موضوعا عن السلوك والعقائد جاء بيانه في مادة التوحيد، ومادة الفقه حصتين في الأسبوع تتناول مواضيع الأحكام في العبادات والمعاملات وغيرها، مدعمة ببعض الأدلة من كتاب الحديث في نفس المرحلة أو مرحلة اخرى.
والحل لايختلف كثيراً عن سابقه دمج مادة الفقه مع مادة الحديث وترتيبها على الترتيب المعروف عند أهل العلم كعمدة الأحكام، أو بلوغ المرام بحيث تبوّب مادة الفقه وتدرج تحتها الأحاديث المناسبة لها. ويمكن إحداث مادة أخرى تسمى التربية النبوية تبرز في شخصية الرسول الكريم وصحبه الكرام وتتناول التنشئة الصالحة وسبلها، وعلاج المشكلات الإجتماعية مقيدة بالآيات والأحاديث النبوية، المناسبة لها.
وبهذا نكون قد أعطينا هذه المواد حقها من العلم والتعليم، وحافظنا على ثروتنا العلمية الفريدة، وكسبنا مجتمعاً يحمل ثقافة العلم والأخلاق الفاضلة النبيلة، وأعددنا لأجيال سيكون لها الأثر في النهوض المفقود لأمتنا منذ مئات السنين. ولا مانع من التطوير أيضاً إذا اقتضى الأمر ذلك.