سابعاً: وإنَّ من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء و لا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جلَّ وتقدس يقول: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (29) سورة التوبة، ويقول جلَّ وعلا: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (36) سورة التوبة.
ثامناً: إنَّ الدعوة إلى: (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلم فهي تُعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام، لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد فترضى بالكفر بالله عزَّوجلَّ، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآنٍ وسنةٍ وإجماعٍ.
تاسعاً: وتأسيساً على ما تقدَّم:
1/ فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها والانتماء إلى محافلها.
2/ لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيفَ مع القرآن الكريم في غلاف واحد!!!، فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد لما في ذلك من الجمع بين الحق (القرآن الكريم) والمحرَّف أو الحق المنسوخ (التوراة والإنجيل).
3/ كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة: (بناء مسجد وكنيسة ومعبد) في مُجمَّع واحد لما في ذلك من الاعتراف بدين يعبد الله به غير دين الإسلام وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأنَّ الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولاشكَّ إنَّ إقرار ذلك أو اعتقاده أو الرضا به كفر وضلال، لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين، واعتراف بـ تحريفات اليهود والنصارى من عند الله - تعالى عن ذلك-، كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس (بيوت الله) وأنَّ أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله، لأنها عبادة على غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران، بل هي بيوت يكفر فيها بالله، نعوذ بالله من الكفر وأهله، قالَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (22/ 162): (ليست - أي البِيع والكنائس- بيوتُ الله، وإنما بُيوت الله المساجد، بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يُذكر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها وأهلها كفار، فهي بيوت عبادة الكفار).
عاشراً: ومما يجب أن يُعلمَ أنَّ دعوة الكفار بعامة وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين، بالنصوص الصريحة من الكتاب والسُّنة، ولكن ذلكَ لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إل قتاعتهم بالإسلام ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك مَن هلكَ عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، قالَ الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (64) سورة آل عمران، أما مُجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عُرى الإسلام ومعاقد الإيمان هذا الباطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون، والله المُستعان على ما يصفون، قالَ تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (49) سورة المائدة.
وإنَّ اللجنة إذ تقرر ذلك وتبينه للناس فإنها تُوصي المسلمين بعامة وأهل العلم بخاصة بتقوى الله تعالى ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودُعاته، والكفر وأهله، وتُحذرهم من هذه الدعوة الكفرية الضالة: (وحدة الأديان)!!، ومن الوقوع في حبائلها ونعيذ بالله كل مُسلم أن يكون سبباً في جلب هذه الضلالة إلى بلاد المسلمين وترويجها بينَهم.
نسألُ الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يُعيذنا جميعاً من مضلات الفتن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، حماة للإسلام على هُدىً ونور من ربنا حتى نلقاه وهو راضٍ عنا، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم:19402 وتاريخ 25/ 1/1418هـ.
(الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز) رئيسًا، (الشيخ عبد العزيز ابن عبد الله آل الشيخ نائبًا)، وعضوية كل من الشيخ: د. بكر أبو زيد، و الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان.