[حديث لا عدوى ولا طيرة]
ـ[أبو الخير صلاح كرنبه]ــــــــ[15 Aug 2009, 05:08 م]ـ
أحبتنا الكرام هذه مسألة شائكة يجب فيها التأمل
وإليكم تفصيلا في حديث رسول الله:
(لا عدوى ولا طيرة) أنقله لكم هنا لزيادة الفائدة:
حديث لا عدوى و لا طيرة
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
السؤال:
لا عدوى و لا طيرة
هل هذا حديث صحيح؟
و ما معناه؟
و إن كان لا عدوى، ما معنى أن تنتقل الأمراض بين الناس مثلا الإيدز؟
الجواب:
الحديث رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية للبخاري: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفُرّ من المجذوم كما تَفرّ من الأسد.
وفي رواية للشيخين: لا عدوى ولا صفر ولا هامة. فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها؟ قال: فمن أعْدَى الأول؟
وقد جَمَع العلماء بين هذه الأحاديث من وجوه:
الأول: أن العَدوى إذا انتقَلتْ كان ذلك بِقَدَرِ الله، لا بتأثير المرض ذاتِه، ويَدل عليه ما رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله فقال: لا يًعْدِي شيء شيئا، فقام أعرابي فقال: يا رسول الله النُّقْبَة من الْجَرَب تكون بِمِشْفَرِ البعير أو بِذَنَبِه في الإبل العظيمة فَتَجْرَبُ كلّها، فقال رسول الله: فما أجْرَبَ الأول؟ لا عدوى ولا هامة ولا صفر، خلق الله كل نفس فكتب حياتها ومصيباتها ورزقها.
وهو يُوضِّح ما تقدّم من رواية الشيخين.
فقوله: " فما أجْرَبَ الأول؟ " أي أنّ أول بعير أُصيب لم يَكن نتيجة عدوى ولا أنه خالَط غيره، وإنما كان ذلك بِقَدَر ِ الله، فلو لم يُقدِّر الله انتقال ذلك الْجَرَب لم يَنتقِل، كما أنه لو قَدّر سلامة البعير الأول لم يُصَب.
والمشاهدَ أن البيت أحيانا يُصاب أحد أفراد بالزًُّكام فيُصاب كل من في البيت، وأحياناً يُصاب الرَّجُل في بيته ولا تنتقل العدوى لأقرب الناس إليه!
فمن الذي جعلها تنتقل في مرّة ولا تنتقل في مرّات؟
إنه الله الذي قَدّر الأقْدَار، وليس المرض الذي انتقل أو انتشر.
قال ابن عبد البر: أما قوله: " لا عدوى " فمعناه أنه لا يُعْدِي شيء شيئا، ولا يُعْدِي سقيم صحيحا، والله يفعل ما يشاء، لا شيء إلا ما شاء.
الثاني: أن العدوى لا تنتقل بِنفسِها، وهو بمعنى السابق.
قال ابن الأثير: كانوا يظنون أن المرض بنفسه يَتَعَدّى، فأعلمهم النبي أنه ليس الأمر كذلك، وإنما الله هو الذي يمرض ويُنَزل الداء.
الثالث: أن الأمر بالاعتزال في حقّ من يُخشى أن يَعتقِد أن المرض انتقل بنفسه، أو أن المريض هو الذي أصابه بالمرض.
روى عبد الرزاق عن معمر قال: بلغني أن رجلا أجذم جاء إلى ابن عمر فسأله، فقام ابن عمر فأعطاه درهما فوضعه في يده، وكان رجل قد قال لابن عمر: أنا أعطيه فأبى ابن عمر أن يناوله الرجل الدرهم.
فهذا من هذا الباب.
وقد جاء الإسلام بِعزْل المريض الذي يكون مرضه خطيراً مُعدِياً.
قال عليه الصلاة والسلام: لا يُورِد مُمْرِضٌ على مُصِحّ. رواه البخاري ومسلم.
قال العلماء: الممرِض: صاحب الإبل المراض، والمصِحّ: صاحب الإبل الصحاح، فمعنى الحديث لا يورد صاحب الإبل المراض إبله على إبل صاحب الإبل الصحاح، لأنه ربما أصابها المرض بِفِعْلِ الله تعال وقَدَرِه الذي أجرى به العادة لا بِطَبْعِها فيحصل لصاحبها ضرر بمرضها، وربما حصل له ضرر أعظم من ذلك باعتقاد العدوى بِطَبْعِها فيكفر. أفاده النووي.
وقال عليه الصلاة والسلام في شأن الطاعون: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تَخْرُجوا فِرارا منه. رواه البخاري ومسلم.
قال الشيخ سليمان آل الشيخ:
وأما أمره بالفرار من المجذوم، ونهيه عن إيراد الممرِض على المصحّ، وعن الدخول إلى موضع الطاعون؛ فإنه من باب اجتناب الأسباب التي خلقها الله تعالى، وجعلها أسبابا للهلاك والأذى، والعبد مأمور باتِّقاء أسباب الشر إذا كان في عافية، فكما أنه يؤمر أن لا يُلْقِي نفسه في الماء أو في النار أو تحت الهدم أو نحو ذلك كما جرت العادة بأنه يُهْلِك ويُؤذي، فكذلك اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم وقدوم بلد الطاعون فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف، والله تعالى هو خالق الأسباب ومسبباتها لا خالق غيره، ولا مقدر غيره.
والله تعالى أعلم. (منقول)
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[16 Aug 2009, 05:05 م]ـ
جزاك الله خيرا.
لقد أجاد الشيخ وأفاد.
وأجدت وأفدت في النقل.
والأمر واضح لا إشكال فيه، والإحاديث في المعنيين صحيحة صريحة، والجمع بينها ممكن ولا إشكال فيه لمؤمن.
وقد نص أهل الأصول على أن الجمع واجب إن أمكن قبل الانتقال إلى دعوى النسخ أو التعارض.
قال في المراقي: والجمع واجب متى ما أمكنا إلا فللأخير نسخ بينا.
وقد تبين من كلام الشيخ الذي نقلته ومن كلام غيره من أهل العلم الذين سبقوه أن الجمع ممكن وواضح لا لبس فيه، فواجب المؤمن هو الإيمان بالأحاديث الصحيحة في المعنيين لا ضرب بعض النصوص ببعض.
وجزاك الله خيرا على النقل والتوضيح.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.