[التسمية بآية الله جرأة كبيرة على الله]
ـ[العرابلي]ــــــــ[29 Jul 2009, 12:05 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[التسمية بآية الله جرأة كبيرة على الله]
110.آية ورحمة
قال تعالى: (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) مريم0
إن خلق عيسى على غير مثال سابق من البشر من أم بلا أب، ثم رفعه بالوفاة حيًا من غير موت، ثم ما يكون من إنزاله بعد مرور أكثر من ألفي سنة على رفعه، وهو كهل كما رفع لم يؤثر عليه طول الزمان الذي مر عليه، هو آية بينة على قدرة الله عز وجل، وأهل الجنة هم بعمره يوم رفعه ونزوله، ولا يظهر عليهم كبر فوق هذا العمر، فمن وضع السنن والقوانين للبشر هو الوحيد القادر على الخروج عنها، وتغييرها، أو أن يستبدل بها غيرها لما يراه سبحانه وتعالى من الحكمة في ذلك0
وكل الآيات هي من صنع الله عز وجل، أو أفعاله، أو ما يعطيه لرسله وأنبيائه، أو تكون كلماته؛ فكل آية من القرآن الكريم هي من الله ولا يستطيع بشر أن يأتي مثلها وإن كانت مفرداتها وحروفها من لغة البشر0
ووصف عيسى عليه السلام وأمه بأنهما آية هو وصف من الله عز وجل، لأن خلق عيسى عليه السلام المتميز من غير أب، وحمل مريم عليها السلام من غير زوج هو فعل من الله عز وجل وقدرته، وليس من البشر،
قال تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) المؤمنون، وإحياء الذي مر على القرية الخاوية وحماره بعد مائة عام هو فعل من الله عز وجل،
قال تعالى: (وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) البقرة، وإخراج فرعون من اليم ليرى الناس هلاكه حتى لا يضعوا قصصًا خرافية عن ذهابه إلى ملك آخر فوق الأرض أو تحتها أو في البر أو البحر،
قال تعالى: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس.
وسؤال يُطرح: هل يجوز أن يُوصف أحد من البشر أنه آية لله أو آية الله؟ والجواب على ذلك أن الله سبحانه وتعالى سبحانه وتعالى أعطى آيات للأنبياء، وهي غير ذات الأنبياء أنفسهم، وليست جزءًا منهم، ولم يصف عز وجل أحدًا منهم بأنه آية غير عيسى عليه السلام، ووصفه بأنه آية يدل على نفس صفات آيات الله الأخرى؛ أنه حجة من الله على خلقه تدل على أنها من الله، خرجت عن سنن أخرى من وضع الله تعالى، ولا يمكن أن تكون من عند غير الله عز وجل، فهي تعلو ولا يعلى عليها، ولا يد لأحد على إبطال هذه الآيات بحجة، أو سلطان، يكون فوقها وأبلغ منها، فيدحضها ويبطلها0
وعيسى عليه السلام هو آية بنفسه لأنه خلق كآدم عليه السلام من تراب، وبلا أب، وأنه لا يد لأحد عليه سوى الله عز وجل، فليس لأحد قدرة على إنهاء الحياة، بالقتل وغيره، وأنه أعطاه من المعجزات التي لم تعط لغيره من الأنبياء مما لا يقدر عليه البشر؛ من إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، والنفخ في الطين الذي يخلق كهيئة الطير فيطير بإذن الله0
ووصف أحد من الأنبياء غير عيسى عليه السلام بأنه آية لا يصح بغير دليل واضح وبين بأن هذا الوصف هو من الله تعالى، لأن الآية هي من صنع الله عز وجل وفعله، أو من أمره تعالى، أو من عطائه المعجز لرسله، فكيف بتسمية غير الأنبياء بأنهم آيات الله؟!، والناس تطلق لقب آية الله على من بلغ درجة كبيرة من العلم في مذهبه، وليست هذه التسمية كتسمية العالم بشيخ الإسلام، وحجة الإسلام، وبرهان الدين، وسيف الدين، وعلَّامة العصر، وغير ذلك من الأوصاف والألقاب؛ فهذه الأوصاف تطلق عليهم بما عَلِمه الناس من أفعالهم وتميزوا به على أقرانهم، وأمثالهم0
ولو أطلق العالم هذه التسمية على نفسه لتدل على ما عنده من العلم، لوجب أن يكون هذا العلم الذي لديه تلقاه من الله تعالى، ولم يتلقه من مشايخ العلم، ولا أخذه من بطون الكتب، ولجعل نفسه مع المشرعين، وكان من الأنبياء المرسلين المعصومين، ولوجبت طاعته وحرمت معصيته، ولجاء بما لم يأت به محمد صلى الله عليه وسلم، ولانتفت عن محمد صلى الله عليه وسلم أنه يكون خاتم الأنبياء والمرسلين 00 فلو فعل ذلك لجعل نفسه فوق الأنبياء، ولأخرج نفسه من الأمة، ولانتفت عنه صفة الإيمان 00 وعلى العامة أن تطلق من الأسماء والأوصاف ما تشاء، لكن العالم يرضى أو يرفض وفق تقواه وعلمه الذي تعلمه، وتبصُّره بأمور دينه فيما يصلح دنياه وآخرته، ولا ينقاد إلى ما يستهوي العامة، ويجهلون حقيقته، فهم ليس لهم من البصيرة في العلم ما للعالم، وعليه أن يبصرهم بما يجهلونه، لئلا يقعوا فيما فيه هلاكه وهلاكهم، وإلا فما فضله عليهم إذا كان هو وإياهم على سواء واحد؟ 0
أما كونه رحمة من الله؛ .................
أبو مسلم / عبد المجيد العرابلي
من كتابي "أحبك أيها المسيح" ص: 212 - 214، ط 2006م
¥