[كراهة قول: (اللهم أعتقنا من النار)!]
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[04 Sep 2009, 02:23 م]ـ
وصلتني هذه الرسالة عبر بريدي الالكتروني، فأحببت أن أشارككم فائدتها، مع بعض التعديلات التي يقتضيها المقام.
كان السَّلف الصَّالح يكرهون الدُّعاء بـ:
(اللهمَّ أعتِقنا مِن النَّار)
روى ابنُ أبي الدُّنيا في «الصَّمت» (345)، وأبو نُعَيْم في «حِلية الأولياء» (2/ 314) -بسندٍ جيِّد- عن الإمام أبي عِمران الجَوْنِي-مِن ثِقات التابعِين-، أنَّهُ قال:
أدركتُ أربعةً-مِن أفضل مَن أدركتُ-؛ فكانوا يكرهون أنْ يقولوا: (اللهم أَعْتِقْنا مِن النار)، ويقولون: (نستجيرُ بالله مِن النار)، و: (نعوذ بالله مِن النار).
قلتُ:
وذلك -أوَّلاً- اتِّباعاً للهَدْيِ المُحَمَّدِيّ:
وفي هذا المعنى نصوصٌ نبويَّةٌ:
الأوّل: قولُهُ صلى الله عليه وسلم: «ما اسْتَجار عبدٌ مِن النار -سبع مرَّاتٍ- إلاّ قالتِ النَّارُ: يا ربِّ؛ إنَّ عبدَك فُلاناً قد استجارَكَ مِنِّي؛ فأَجِرْهُ ... » [«السلسلة الصحيحة» (2506) -وقد نبَّه العلامة الألباني -فيه- على عدم وُرودِ أيِّ تقييدٍ لهذا الدُّعاء].
الثاني: قولُه صلى الله عليه وسلم: «لله عُتقاءُ مِن النّار، وذلك كُلَّ ليلةٍ [مِن رمضان]» [«هداية الرواة (1960)»].
وليس مِن شكٍّ أنَّ «خيرَ الهَدْي هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم».
(تنبيه)
هذا الحديثُ الصَّحيحُ يُخالِفُ ما رُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم مِن قولِه -في شهر رمضان- مِن حديثِ سَلْمانَ الفارسيِّ ... «وآخِرُهُ عِتْقٌ مِن النار».
فَذَا حديثٌ مُنْكَرٌ لا يصحُّ بحالٍ!
ووجْهُ نكارتِهِ ومعارضَتِه ظاهرٌ ...
ونحمدُ اللهَ -وحدَه- أنَّ هذا الفضلَ الواردَ في السُّنَّةِ الصحيحةِ أشْمَلُ وأوْسَعُ مِن ذاكَ الوارِدِ في هذا الحديثِ المُنْكَر!
{وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا} ...
وانظُر «السلسلة الضعيفة» (871).
ولا يشفعُ له (!) كونُهُ مرويًّا مِن طريقٍ آخَرَ عن أبي هُرَيْرَةَ!
فهو مُنْكَرٌ-مِثلُهُ-!
وقد فصَّل في بيانِ ذلك -أيضاً- الألباني -رحمه الله- في «السلسلة الضعيفة» (1569).
الثالث: قولُهُ صلى الله عليه وسلم لرجلٍ: «ما تقولُ في الصَّلاة؟».
قال: أتشهَّدُ، ثم أسألُ اللهَ الجنَّةَ، وأعوذُ به مِن النَّار.
أَمَا -واللهِ- ما أُحْسِنُ دَنْدَنَتَك، ولا دَنْدَنَةَ مُعاذ!
فقال صلى الله عليه وسلم: «حولَها نُدَنْدِن».
(تنبيهٌ ثانٍ)
ذَكَرَ الغزاليُّ في «الإحياء» (3/ 162) هذا الأثرَ، وقال -في تَوْجِيهِهِ-:
«وقالوا: العِتْقُ يكونُ بعدَ الوُرُودِ!» -أي: استحقاقاً له-.
وهذا -بالنِّسْبَةِ للأَثَرِ-ثانياً-.
وقال المُرْتَضى الزَّبِيديُّ في «شرحِه» -له- المُسَمَّى: «إتحاف السَّادة المُتَّقين» (7/ 575) -بعد إيرادِه الأثَرَ-:
«وهذا مِن جُملة الدقائق؛ فإنْ أرادَ القائلُ بـ (العِتْق): العِصْمَةَ والحفظَ -أو ما يجري مَجْراه-؛ فلا أرى بأْساً في الإطلاق؛ فقد اشْتَهَرَ الدُّعاءُ بمثلِ ذلك مِن غيرِ نكيرٍ»!
قلتُ:
أمَّا أنَّه: (مِن جُملة الدَّقائق)؛ فنعم ...
وأمَّا إرادةُ معنى (العصمة والحِفظ) -في مِثلِ هذا الدُّعاءِ-؛ فبعيدٌ.
وأمَّا (اشتهارُهُ مِن غيرِ نكيرٍ)؛ فمع مُخالفة بعض أفضل التابعين: لا وزن له!
وما أجملَ ما رواهُ الإمامُ أبو داودَ في «سُننه» (4614) -بالسندِ الصحيح-عن الإمام عُمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، أنَّه قال:
«فارْضَ لنفسِك ما رَضِيَ به القومُ لأنفُسِهم؛ فإنَّهُم على علمٍ وَقَفُوا، وببَصرٍ نافِذٍ كُفُوا.
ولَهُم على كَشْفِ الأُمور كانوا أقْوَى، وبفضلِ ما كانوا فيه أوْلَى»
(تنبيهٌ ثالثٌ)
وما وَرَدَ في الحديثِ الصَّحِيحِ: -الآنِفِ الذِّكْرِ: «للهِ عُتَقاءُ مِن النَّار» إنَّما هُو وَفْقَ علمِ الله -تعالى- فيمن يستحقُّ النَّار -عِياذاً بالله-؛ لا بحسب ظُنونِ خَلْقِهِ!
فمِن اليَقين: أنَّهُ ليس (كُلُّ) عبادِ الله مِن أهلِ استحقاقِ دُخول النَّار؛ ليكونوا -بَعْدُ- عُتقاءَ منها ... !
إذِ الأصلُ في العبدِ المُوَفَّقِ لطاعةِ مولاه: تحسينُهُ ظَنَّهُ بربِّهِ العظيم؛ كما صحَّ في الحديثِ القُدُسِيِّ: «أنا عند ظنِّ عبدِي بي: إنْ خيراً؛ فخيرٌ، وإنْ شرًّا؛ فشرٌّ» [«السلسلة الصحيحة» (1663)].
¥