[بين الشيخين (الأشقر) و (الأرنؤوط) في عزاء العلامة الراحل د. محمد الأشقر]
ـ[أبو العالية]ــــــــ[19 Nov 2009, 10:58 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
ثمانون عاماً .. أُسِّست على خير ونرجو الله أن تكون ختمت بخير وعلى كل خير، نحسبه والله حسيبه.
((ثمانون عاماً عاشها أخي محمد، ولم يكن قبلها بشيء، (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) واليوم أخي محمد بين يدي ربه.
فالميت لا يحتاج إلى الثناء، بقدرما يحتاج إلى الدعاء))
بعض كلمات دافئة حزينة قالها شيخي العلامة عمر الأشقر قبل الصلاة على أخيه في موقف مهيب تعلوه السكينة والوقار.
توفي شيخنا العلامة اللغوي الأصولي الفقيه محمد بن سليمان بن عبد الله الأشقر رحمه الله، وكانت جنازته حاشدة تجمَّع فيها اهل العلم من كل حدب وصوب من الداخل والخارج، بل حتى بعض من كانت بينهم منافرات علمية تجمعوا في هذا الموقف.
لا أود الترجمة للشيخ العلامة، فمثلي أقل من أن يكتب عنه، وأحيلك أيها القارئ الكريم إلى كتابين تستفيد منهما على عجل في معرفة بعض حياة الشيخ الراحل رحمه الله تعالى مما كتبه بنفسه.
الأول: كتاب (نيل المآرب بشرح دليل الطالب) للتغلبي، حققه الشيخ رحمه الله وكتب عن سيرته باختصار في مقدمته (24)
والثاني: كتابه المميز: (الواضح في أصول الفقه) سرد كافة مؤلفاته في طلبعته وبعض أبحاثه.
وكتب شيخ العلامة عمر الأشقر كلمات خاطفة عن الموقف قال فيها:
(الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإنَّ الموت نهاية كل حيٍّ، والأحياء جميعاً مصيرهم إلى الله تبارك وتعالى، لا يتخلف منهم أحد، وكنت أعلم أنني يوماً سأفارق أخي وشيخي محمد سليمان الأشقر، ولكنني لم أكن أتصور أن ذلك سيكون سريعاً؛ فقبل أن تبلغني وفاته بساعات كنت أجلس إلى جوار سريره أتحدث إليه في مشفى الجامعة الأردنية .. كان حاضر العقل، واعياً لكل ما يدور حوله، وقد سألته عن بعض المسائل العلمية أستطلع فيها رأيه، فأجاب إجابة حاضرة بيِّنة، وأخذنا الحديث بعيداً، حدثني عن رحلته من فلسطين إلى مكة في عام 1949م، وحدثني عن حياته في المملكة العربية السعودية، فمن مكة إلى الرياض إلى بريدة، ثم عمله في التجارة، ثم التحاقه بكلية الشريعة، ثم عُيِّن قبل إنهائها مدرساً في معهد شقراء، ثم رئيساً له، وبعد أن أتم دراسته في كلية الشريعة في الرياض عُيِّن مدرساً في كلية الشريعة، ليكون أول خريجيها عاملاً بها.
وفي كلية الشريعة درستُ على أخي الشيخ محمد في مادة آيات الأحكام، وحدثني عن العلماء الذين درس عليهم، كالشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد الرحمن الإفريقي، والشيخ عبد الرزاق عفيفي -رحمهم الله تعالى- وحدثني بحرارة عن شيخه فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله تعالى- وكيف درس عليه في كلية الشريعة الفقهَ، وكيف لازمه في الدراسة في المسجد بعد الفجر، يقرأ عليه كتاب (المغني) مدة سنتين، وقطع فيه معه شوطاً كبيراً، وتطرقنا إلى حجَّاته التي حجَّها وغير ذلك.
وتطرق الحديث إلى موضوعات شتى، وقد توقف عن الحديث عندما جاء موظف المستشفى يقول لي بأن مكثي طال أكثر مما يُسمح به، فودّعته وكلي أمل أن أعود إليه غداً في وقت مبكِّر، خرجت من عنده وأنا آمل أن يأمر طبيبه بإخراجه في اليوم التالي، ولكنني فوجئت في اليوم التالي بتلفون يعزيني بأخي الذي فارق الحياة منذ دقائق؛ فقد وافته المنية بعد الساعة الثانية عشرة ظهراً بقليل، وهزني النبأ؛ فلم أكن مهيّأً له، وكنت أنتظر ساعات للعودة إلى زيارته، ولم يكن يخطر ببالي أن ذلك اللقاء هو آخر لقاء يجمعني به، ولم أملك إلاّ أن أقول: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون.
رحمك الله يا أبا عبد الله، مضيت إلى الله، ونحن إلى ما صرت إليه صائرون، لقد غادرت هذه الدار كما غادرها الصالحون، رحمك الله، فقد كنت –كما أعلم والله أعلم مني به- نهمك في العلم و التقى والصلاح، ولقد علمتك حريصاً على تحري الحق، وتبيّن الصواب، وتعليم العلم، ولم تكن تهتم بالدنيا كثيراً، وكنت راعياً لحق الوالدين، وَصُولاً للأرحام، متحرّياً لنفع العباد ..
¥