تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[سر الأسرار]

ـ[رائد السماري]ــــــــ[11 Oct 2009, 10:00 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

/////////////////////////////////////////////////////////////////////////

سر، إلى السرور ..

................... إلى السرور، سريعا ..

.................................................. ..... سريعا، إلى السر!

/////////////////////////////////////////////////////////////////////////

سر الحياة - هي الحرب إذن! *

خلق الله سبحانه وتعالى هذا الآدمي، واختاره من بين سائر البرية، وجعل قلبه محل كنوزه من الإيمان، والتوحيد، والإخلاص، والمحبة، والحياء، والتعظيم، والمراقبة، وجعل ثوابه إذا قدم عليه أكمل الثواب وأفضله، وهو النظر إلى وجهه، والفوز برضوانه، ومجاورته في جنته، وكان مع ذلك قد ابتلاه بالشهوة والغضب والغفلة، وابتلاه بعدوه إبليس لا يفتر عنه، فهو يدخل عليه من الأبواب التي هي من نفسه وطبعه فتميل نفسه معه؛ لأنه يدخل عليها بما تحب، فيتّفق هو ونفسه وهواه على العبد: ثلاثة مسلطون آمرون، فيبعثون الجوارح في قضاء وطرهم، والجوارح آلة منقادة فلا يمكنها إلا الانبعاث، فهذا شأن هذه الثلاثة وشأن الجوارح فلا تزال الجوارح في طاعتهم كيف أمروا وأين يمموا.

هذا مقتضى حال العبد، فاقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم به أن أعانه بجند آخر، وأمده بمدد آخر، يقاوم به هذا الجند الذي يريد هلاكه، فأرسل إليه رسوله، وأنزل عليه كتابه، وأيده بملك كريم يقابل عدوه الشيطان، فإذا أمره الشيطان بأمر أمره الملك بأمر ربه، وبيّن له ما في طاعة العدو من الهلاك، فهذا يُلم به مرة وهذا مرة، والمنصور من نصره الله عز و جل والمحفوظ من حفظه الله تعالى.

وجعل له مقابل نفسه الأمارة نفسًا مطمئنة، إذا أمرته النفس الأمارة بالسوء نهته عنه النفس المطمئنة، وإذا نهته الأمارة عن الخير أمرته به النفس المطمئنة، فهو يطيع هذه مرة وهذه مرة، وهو الغالب عليه منهما، وربما انقهرت إحداهما بالكلية قهرًا لا تقوم معه أبدا.

وجعل له مقابل الهوى الحامل له على طاعة الشيطان والنفس الأمارة نورًا وبصيرةً وعقلاً يرده عن الذهاب مع الهوى، فكلما أراد أن يذهب مع الهوى ناداه العقل والبصيرة والنور: الحذرَ الحذرَ، فإن المهالك والمتالف بين يديك، وأنت صيد الحرامية وقطاع الطريق إن سرت خلف هذا الدليل.

فهو يطيع الناصح مرة، فيبين له رشده ونصحه، ويمشي خلف دليل الهوى مرة، فيقطع عليه الطريق، ويؤخذ ماله ويسلب ثيابه، فيقول: ترى من أين أتيت؟

والعجب أنه يعلم من أين أتي، ويعرف الطريق التي قطعت عليه وأخذ فيها، ويأبى إلا سلوكها؛ لأن دليلها قد تمكّن منه، وتحكم فيه، وقوي عليه، ولو أضعفه بالمخالفة له، وزجره إذا دعاه، ومحاربته إذا أراد أخذه، لم يتمكن منه، ولكن هو مكّنه من نفسه، وهو أعطاه يده، فهو بمنزلة الرجل يضع يده في يد عدوه، فيباشره، ثم يسومه سوء العذاب، فهو يستغيث فلا يغاث، فهكذا يستأسر للشيطان والهوى ولنفسه الأمارة، ثم يطلب الخلاص فيعجز عنه.

فلما أن بُلي العبد بما بُلي به، أعين بالعساكر والعدد والحصون، وقيل: قاتل عدوك وجاهده، فهذه الجنود خذ منها ما شئت، وهذه الحصون تحصن بأي حصن شئت منها، ورابط إلى الموت، فالأمر قريب، ومدة المرابطة يسيرة جدا، فكأنك بالملك الأعظم وقد أرسل إليك رسله فنقلوك إلى داره، واسترحت من هذا الجهاد، وفرق بينك وبين عدوك، وأطلقت في داره الكرامة تتقلب فيها كيف شئت، وسجن عدوك في أصعب الحبوس وأنت تراه.

فالسجن الذي كان يريد أن يودعك فيه قد أُدخِلَه، وأُغلِقَت عليه أبوابه، وأيس من الروح والفرج، وأنت فيما اشتهت نفسك، وقرت عينك، جزاءً على صبرك في تلك المدة اليسيرة، ولزومك الثغر للرباط، وما كانت إلا ساعة ثم انقضت، وكأن الشدة لم تكن.

فإن ضعفت النفس عن ملاحظة قصر الوقت وسرعة انقضائه فليتدبر قوله عز وجل: "كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة"، وقوله عز وجل: "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها".

وخطب النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه يوما فلما كانت الشمس على روؤس الجبال وذلك عند الغروب قال: "إنه لم يبقى من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه".

فليتأمل العاقل الناصح لنفسه هذا الحديث، وليعلم أي شيء حصل له من هذا الوقت الذي قد بقي في الدنيا بأسرها، ليعلم أنه في غرور وأضغاث أحلام، وأنه قد باع سعادة الأبد والنعيم المقيم بحظ خسيس لا يساوي شيئا، ولو طلب الله تعالى والدار الآخرة لأعطاه ذلك الحظ هنيئا موفورا، وأكمل منه، كما في بعض الآثار: ابن آدم، بع الدنيا بالآخرة، تربحهما جميعا، ولا تبع الآخرة بالدنيا، تخسرهما جميعا.

مخرج:

حين تبدأ معركة الإنسان بينه وبين نفسه، فهو عندئذٍ شخصٌ يستحق الذكر

* بتصرف من كتاب الوابل الصيب، لابن القيم - رحمه الله -

(السر القادم قريبا: سر الصلاة)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير