[ذكريات مسابقة دبي]
ـ[محمد خليل الزروق]ــــــــ[20 Oct 2009, 02:33 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تجاوزنا الإجراءات وكدنا نخرج من مطار دبي - وهو مطار كبير وفسيح وأنيق ومنظم - ولم نلتق بمندوب جائزة دبي للقرآن الكريم، فقصدنا مكتبًا للمعلومات، فلم تمر خمس دقائق حتى كان المندوب عندنا، طلب إلينا الجلوس، وبعد نحو عشر دقائق كان السائق في انتظارنا، فحمَلَنا ومشاركين آخرين كان أحدهما - وهو من أفريقيا الوسطى - متعبًا من إقامته في مطار طرابلس ثلاثة أيام، وزاد من همه أن حقيبته بقيت في مطار طرابلس.
* * *
في الطريق يسترعي نظرك البنيان الشاهق، والعمران الواسع، ويلفت انتباهك قرب المطار من وسط المدينة، حتى إن الطائرات تُرى غادية رائحة مع السيارات!
تستقبل الضيوف في الفندق لجنة تُعرِّف النزلاء بالمرافق والمواعيد. وكنا من أوائل الواصلين، فلاحقتنا آلات التصوير التلفزيوني، وعرَفنا من بعد أنها لقناة أمريكية متخصصة في الأشرطة الوثائقية تصور شريطًا عن الجائزة، وقد كانت تتتبع المشاركين في ذهابهم ومجيئهم، ومرتقاهم ونزولهم، وخروجهم ودخولهم، ومأكلهم مشربهم، ومصلاهم ومنامهم. وكان الْمُخرج أمريكيًّا من أصل تركي، ينطق بكلمات عربية قليلة، ويقول: إن جده كان مسلمًا!
* * *
تجربة فريدة أن تعيش في مجمع أغلب من فيه من أمهر الحفظة للقرآن الكريم، فهم يتعارفون ويتآلفون على تباعد أجناسهم وبلدانهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم.
محمد فهمي المشارك من سيريلانكا هادئ الطبع، خفيف الروح، لا تفارق الابتسامة ثغره، مصروفه الذي زوده إياه والده ستة دولارات، وهي تساوي بعملتهم ستة آلاف روبية، صرفها في دبي بنحو عشرين درهمًا، وهو أقل من ثمانية دنانير ليبية، وكان له نعل يتعبه، وأراد أن يشتري نعلاً فلم يساعده المال الذي معه، فاشترى له أحد الإخوة نعلاً بنحو ثلاثين درهمًا، وهو يتمنَّع ويريد أن يشارك في ثمنه بالعشرين التي في يده.
* * *
في دبي الحر شديد، والرطوبة عالية، ولذلك يعيش الناس في ثلاجات، من محل الإقامة، إلى السيارة، إلى السوق، إلى المسجد، إلى محل العمل.
دُور وقصور، ودروب وجسور، وصروح وبروج، وأنفاق وأسواق، ومعارج ومَرَاق، على أن الأمر كما قال المتنبي:
ولكن الفتى العربي فيها * غريب الوجه واليد واللسان
فلا تكاد تجد من يكلمك بالعربية، من عامل الفندق، أو سائق الأجرة، أو بائع السوق، أو شرطي الشارع. لا أظن أنه يسمح بالعمل في دولة أوربية مثلاً لمن لا يعرف لغة أهل البلد!
* * *
في المسابقات الدولية ينظر إلى المشارك الليبي على أنه أقوى منافس، وينتظر قراءته كل المشاركين، بل لجنة الحكم، وهكذا كان في مسابقة دبي. وكان المشارك الليبي ضمن العشرة الأوائل تسع مرات، وكان منها ضمن الثلاثة الأوائل ست مرات، وكان منها في الترتيب الأول أربع مرات، وهذا لم يكن لبلد من البلدان.
المشارك الليبي في الدورة الثالثة عشرة 1430=2009 صاحبنا الشيخ محمد علي الدالي، ولد سنة 1409=1989، طالب في كلية طب الأسنان، حفظ القرآن على صديقنا الشيخ فرج العبار، ثم قرأ عليَّ وأجزته (وحفظ الشيخ فرج على الشيخ بوراوي سالم، والشيخ بوراوي على شيخنا الشيخ معتوق العَمَّاري، أطال الله في العافية بقاءه!)، له صوت عذب، وملكة جيدة، ونطق سلس، وحروف صحيحة، كان ترتيبه الأول في مسابقات على مستوى بنغازي رسمية وأهلية، ثم الأول في مسابقة على مستوى ليبيا، ثم الأول في مسابقة دولية بتونس، ثم رشح لتمثيل ليبيا في مسابقة دبي.
كان التنافس شديدًا، والقلق كبيرًا، والحِمل النفسي ثقيلاً، فلم يقرأ بكل ما في قدرته، ولم يُخرج كل ما عنده، لم يخطئ في الحفظ، إلا أنه اشتبهت عليه كلمتان فقرأهما بحفص، وهو يقرأ بقالون، فنُبه في سؤالي الصباح ثلاث تنبيهات، فجاء ضمن العشرة الأوائل في الترتيب الثامن من نحو ثمانين مشاركًا. وكان الاستعداد للمسابقة أني كنت أختبره كل يوم قبل موعد المسابقة بأكثر من شهر، وكان يختم القرآن كل ثلاثة أيام، ولكن كان هذا هو نصيبه هذه المرة.
¥