وذلك يكون بالغلو في تطبيقه ومجاوزة الحد أو القصور عن تطبيقه، أما التزام ما جاءت به الشريعة فليس بفتنة ولا يكون سببا فيها ...
ولا شك أن الغلو في التكفير والتكفير بغير موجب خطأ عظيم وجرم كبير و التحذير من ذلك واجب متحتم على أهل العلم وطلابه لما في ذلك من تعدي لحدود الله واعتداء على دين المسلمين وأعراضهم ودمائهم وهذا واضح أمر لا إشكال فيه ولكن الإشكال أن يجعل نفس التكفير للكافرين الذي هو حكم الشريعة الفتنة أو البدعة، أو أن تقابل بدعة الغلو في التكفير ببدعة التفريط والإرجاء! فتقابل الفتنة بفتنة والبدعة ببدعة، حتى يصل الأمر إلى التحذير من التكفير عموما بما يلزم من ذلك من تعطل أحكام الشريعة وغلق أبواب الردة باسم التحذير من فتنة التكفير!
وإن مما يجب على المسلم الغيور على دينه، قبل أن يحذر من فتنة (الغلو) في التكفير، أن يحذر أولا من فتنة الكفر والشرك الذي تطاير شراره وثار قتامه في كثير من بلاد المسلمين، أما أن يكون للخائنين خصيما، وللمنافقين ردءا وظهيرا، ثم يتسلط على إخوانه الذين حركتهم الغيرة لتغيير مظاهر الكفر التي قد انتشرت في بلاد المسلمين كالنار في الهشيم - وإن أخطئوا - فهذا أبعد ما يكون عن الإنصاف، وإلا فلو أنكر الكفر وحذر منه، ثم حذر من الغلو في التكفير، لكان خيرا له وأقوم.
- وفي زماننا قد وجد كثير ممن يحذرون من فتنة التكفير بل من التكفير رأسا، وألفت في ذلك الكثير من المؤلفات التي زعم أصحابها أنهم يحذرون من هذه الفتنة ثم تبين بعد ذلك أن الداء منهم والبلية فيهم وأن ثمة خلل في منهجهم واعتقادهم أدى بهم إلى رفع هذا الشعار وتقرير هذا المنهج وهو اعتقادهم في أن المسلم لا يكفر ولا يخرج من الملة وإن فعل من الكفر والشرك ما فعل ما لم يرد بذلك الخروج من الإسلام!
وهي عقيدة الإرجاء توارثها أهلها خلف عن سلف،واستحكمت من عقول الكثير ممن ينتسب إلى العلم والدعوة خاصة في زماننا هذا،حتى سرت إلى العامة فتشربتها قلوبهم الخاوية فشب عليها الصغير وشاب عليها الكبير فصارت فتنة بحق!
غيبت بسببها معالم الحق وضيعت حقائق الدين،واشتبه على الناس حال الموحدين
والمشركين وذهبت عقيدة الولاء والبراء وتسلط بسببها الزنادقة والعلمانيون في رقاب المؤمنين حتى غدا للكافرين على المؤمنين كل سبيل. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
- فلا يمكن عند هؤلاء أن يكفر من انتسب للإسلام بحال وإن ارتكب النواقض والموبقات طالما قد انتسب لهذا الدين وتسمي بأسماء المسلمين فهو مع قيامه على الشرك والكفر ومظاهرة أعداء الله موحد مخلص صادق متيقن منقاد قد حقق جميع شروط لا إله إلا الله التي جعلها العلماء شروطا لقبولها وكونها نافعة!
فهؤلاء وإن تشعبت أقوالهم فقد اتفقوا على جعل الإسلام ارق من ثوب سابري - مجرد انتساب - لهذا الدين لا يمكن أن يخرج منه صاحبه إلا أن يقرر هو الخروج فيقول أنا كافر أو أنا نصراني أو غير ذلك مهما فعل وقال من صنوف الشرك وأنواع الكفر ...
وقد حصر أغلبهم الكفر في الجحود والاستحلال صراحة ومنهم من اجتهد في وضع القيود الثقال بما يؤول به إلى ذلك.
ثم ادعوا بعد ذلك أن من يخالف ذلك فقد انتهج نهج الخوارج في التكفير وهو بذلك يستحق التحذير ....
و من هذه الكتب التي ابتلينا بها كتاب (إحكام التقرير في أحكام التكفير) لصاحبه الشيخ مراد شكري وكتاب (التحذير من فتنة التكفير) للشيخ علي بن حسن الحلبي وغيرهم، ولقد حذر من هذه الكتب وغيرها أهل العلم وخاصة علماء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله،فقد حذروا منها ومن أصحابها وصدرت الفتاوى تحذر من قراءتها وطباعتها ونشرها وأكدت على وجوب توبة أصحابها من بدعة الإرجاء ولم يمنعهم من ذلك أن أصحاب هذه الكتب ينتسبون إلى العلم والحديث والسنة ويرفعون لواءها.
- ومما جاء في فتوى اللجنة الدائمة بخصوص كتاب إحكام التقرير قولهم:
(بعد الإطلاع على الكتاب المذكور وُجد أنه متضمن لما ذُكر من تقرير مذهب المرجئة ونشره. من أنه لا كفر إلا كفر الجحود والتكذيب، وإظهار هذا المذهب المُردي باسم السنة .....
¥