تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لكننى فرحت جدا بما ظهر لى من هذا الكلام (على وجهه الخطأ) فرحا لم أفرح قبله مثله فى علم قط وظللت أحفظ وأردد فى الكلام لاعجابى بقوة عباراته ورونقها فأردت حفظه بنصه وظللت أياما كثيرة أحفظ وأردد وأنا أرى الكلام كما هو موافق لمطلبى الى أن جاء وقت ما قُبيل الامتحان وأثناء ترديدى للكلام رأيته على حقيقته ورأيت جملة (خلطتهم فى الشر) فذُهلت وعرفت أنه قد حدث شئ. فظللت أفكر مالذى حدث!! ومن أسأل؟!! وماذا أقول له؟ وكيف أُصيغ السؤال؟!! لا أعرف شيئا عن شئ. ان هذا الذى حدث لى لم يكن داخلا تحت ادراكى لابالاحساس أو الشهود أو المعقول فلم أملك وقتها الا أن أستمر فى المذاكرة ومرت أيام وأيام الى أن جاء وقت كنت أستمع فيه لشريط للشيخ محمد سعيد رسلان اسمه (القول المبين فى حقيقة الدين) فسمعت منه كلاما فعرفت وقتها منه تفسير الذى حدث لى.

وهذا نص كلامه مفرغا من الشريط دقيقة 16 وكان الكلام فى سياق التعصب للجماعة وملئ الذاكرة والوجدان الشخصى بأفكار ثابتة وكأنه لايريد رؤية غيرها فيقول (وان مما أجراه العلماء فى هذا العصر وهو قائم على سوقه بفضل الله تعالى ما ذكره رائد علم النفس الاسلامى فى هذا العصر بلامنازع الأستاذ الدكتور مالك البدرى حفظه الله فى هذه الأمور التى ذكرها العلماء على ما أجروه من تلك التجارب العملية على النفس الانسانية فنتج لنا قانون. وهو مما يتعلق بهذا الهوى المذكور وبهذا التعصب الذى ذكره بن القيم , فان الانسان انما يتأثر ادراكه بما هنالك من تلك الوجدانيات والأفكار والمعتقدات التى تحكم سلوكه وأن الانسان عندما يتأتى منه ادراك انما يكون مصبوغا فى هذه البؤرة ومنها منبثقا ثم انهم أجروا على ذلك تجربة من التجارب البديعة بحق ولم يجرها واحد ممن ينتمى الى دين محمد ممن يريد أن يعز هذا الدين بهذه الأمور التى جعلها الله فى كونه يقع على سرها من يقع من عباده وقتما يشاء ربنا وعلى الصورة والكيفية التى يشاء. أُخذ ت صورة كبيرة لرجل زنجى حسن الهندام عليه مظاهر براءة الطفولة بادية , يقف الرجل فى حاله مستكينا فى حافلة يقف فى جواره فيها رجلا أبيضا معه خنجر مُسلط على بطن حامل مُتم والفزع فى عينى المرأة يكاد ينطق متكلما بل يكاد ينطق صارخا ثم عُرضت هذه الصورة على مجموعة من الذين عُرفوا بالتعصب المؤقت من البيض ضد الزنوج ثم كانت المسألة فى النتيجة على هذا النحو.

أكثر الذين عرضت عليهم الصورة قالوا ان الخنجر كان فى يد الزنجى ولم يتذكر منهم واحدا ان الخنجر انما كان فى يد الرجل الأبيض وأما طائفة أخرى فلم يتذكروا شيئا ولم يثبتوا خنجرا ولامشهرا ولم يتعمد واحدا ممن أتى بالأمر على غير وجهه فنسب امساك الخنجر ورفعه على بطن الحامل المتم للزنجى لم يتعمد كذبا وانما خرج هذا الادراك منه على حسب معتقده وهو (وكذلك أصحاب الاتجاهات المتعصبة من اولئك الذين يدخلون فى السمع والطاعة لقائد جبار ... وهم حينئذ اذا مازاد ضغط المجتمع عليهم وعاشوا بنفسية المطارد وظنوا وهما منهم ان كل ظل يتحرك انما هو قانص يقنص ورام يرمى عندئذ عنداما تزداد وطئة الضغط النفسى عليهم لايتعمدون الكذب وانما ينتقون مما يدركون ما يوافق مواقفهم النفسية ومواقفهم الاعتقادية ومواقفهم التحاولية التعصبية من غير أن يكونوا متعمدين الكذب حاشا لله ومن غير أن يكونوا واقعين فى فرية كلا والله وانما هم يقعون فيما يقول عنه العلماء كما ذكر الاستاذ مالك هذا ما يُسمى ب (الانتقاء الاختيارى) فينتقى المتحامل المتعصب مما يراه بعينه ما يواقف معتقده وما يتعصب له ثم ينطق لسانه بما أدركه على حسب اعتقاده ومذهبه من غير أن يكون متعمد للكذب فهذا مايسميه العلماء بالانتقاء الاختيارى وهى مصيبة من المصائب الكبرى) انتهى كلامه

ومن باب الشئ بالشئ يُذكر أن فى الحديث الصحيح (يُصر أحدكم القذى فى عين أخيه وينسى الجذع فى عينه) فان الشيطان يخلق فى هذا الرجل قوة زائدة يرى بها القذى فى عين أخيه (قاله عبد السلام آل برجس) وأيضا مرض الحسد اذا بلغ عند المرء الى حد معين فقد يجعله ينكر بعض الأشياء المحسوسة (قاله الشيخ محمد اسماعيل المقدم)


(1) كما يقول النبى صلى الله عليه وسلم (ليس الخبر كالمعاينة) ويعلق الشيخ محمد اسماعيل المقدم على الحديث قائلا بأن الفرق بين الخبر والمعاينة فرق عند كل البشر بمن فيهم من الأنبياء وهذا الفرق هو تفسير لسلوك موسى عليه السلام والذى حكاه الله تعالى لنا قائلا {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الأعراف150 فهذا سلوكه عند المعاينة وقد أخبره الله سابقا قبل أن يعاين بقوله تعالى {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} طه85
وأيضا حينما قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} الكهف18 انظر هذا عند المعاينة رغم ان النبى صلى الله عليه وسلم لم يول فرارا حين أخبره الله بخبرهم
(2) المنزلة الثامنة (التذكر) ثم المفسد الاول للقلب
والحمدلله رب العالمين

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير