تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بل ذكر ابن القيم رحمه الله أن التوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة, فإن الدين استعانة وعبادة, فالتوكل هو الاستعانة, والإنابة هي العبادة قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5/الفاتحة). والتوكل على الله هو محض العبودية وخالص التوحيد إذا قام به العبد على حقيقته. ولله در سهل التستري القائل:" العلم كله باب التعبد, والتعبد كله باب الورع, والورع كله باب الزهد والزهد كله باب التوكل".والتوكل من أجمع أنواع العبادة وأعظمها لما ينشئ عنه من الأعمال الصالحة فإنه إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية, دون كل من سواه صح إخلاصه ومعاملته مع الله تعالى, ولا يحصل كمال التوحيد بأنواع الثلاثة إلا بكمال التوكل على الله, وقد جعل الله التوكل شرطاً في الإيمان فقال سبحانه: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (23/المائدة) فدل على انتفاء الإيمان عند انتفائه, وجعله كذلك دليل صحة الإسلام فقال سبحانه: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} (84/يونس) , وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أقوى وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل, وإذا كان التوكل ضعيفاً كان دليلاً على ضعف الإيمان ولا بد, وقد جمع الله بين التوكل والإيمان والتوكل والتقوى والتوكل والإسلام والتوكل والهداية. فظهر أن التوكل أصل مقامات الإيمان والإحسان وجميع أعمال الإسلام, وأن منزلته منها كمنزلة الرأس من الجسد, فكما لا يقوم البدن إلا على الرأس, فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته إلا على ساق التوكل.

قال ابن القيم:" من صدق توكله على الله في حصول شيء ناله"

- أقسام التوكل: التوكل على قسمين:1) توكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله, فهذا صرفه لله واجب وتوحيد, وصرفه لغيره شرك أكبر مخرج من الملة, كمن يتوكل على الأموات أو الطواغيت في طلب نصر أو حفظ أو رزق ونحو ذلك.2) توكل في الأسباب الظاهرة كمن يتوكل على مخلوق فيما أقدره الله عليه من دفع أذي أو قضاء حاجة من مصالح الدنيا, فهذا نوع شرك اصغر وهو شرك خفي, كمن يتوكل على أمير أو سلطان فيما جعله الله بيده من رزق أو دفع أذى ونحو ذلك, فهذا شرك خفي, ولذلك قيل الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد لقوة تعلق القلب به والاعتماد عليه. لأن القلب لا يتوكل إلا على من يرجوه, فمن نظر إلى من يرجوه من شيخ أو سلطان أو مال أو نحو ذلك غير ناظر إلى الله كان فيه نوع توكل على ذلك السبب, وما رجاء أحد مخلوق أو توكل عليه إلا خاب ظنه فيه, لأن حقيقة التوكل تفويض الأمر إلى من بيده الأمر, والمخلوق ليس بيده الأمر فالتجاء القلب وطمعه في تحصيل المطلوب إنما يكون فيمن يملكه وهو الله جل وعلا, وأما المخلوق فلا يقدر على شيء استقلالاً, وإنما هو سبب فإذا كان سبباً فلا يجوز التوكل عليه بل يجعله سبباً فيما أقدره الله عليه معه تفويض أمر النفع بهذا السبب إلى الله, فيتوكل على الله ويأتي بالسبب الذي هو الانتفاع بهذا المخلوق بما جعله الله له من الانتفاع أو من القدرة ونحو ذلك. لذلك جعل العلماء من شرك الألفاظ قول الرجل: توكلت عليك, أو توكلت على فلان, وكذلك قول توكلت على الله ثم عليك, كل ذلك من الشرك في الألفاظ, لأن التوكل كله عبادة فلا يجوز جعل شيء منه للمخلوق. لكن يقول: وكلت فلان, وأنا موكلك, من باب الوكالة, التي هي الإستنابة وهي جائزة بإجماع العلماء. فيوكل الشخص أخاه المسلم في قضاء حاجة له من مصالح الدنيا, مع اعتماد القلب على الله تعالى في تيسير ما وكل فيه هذا الشخص لقضائه.

- وعلى ما سبق فتكون علاقة الأسباب بالتوكل أن يعمل العبد الأسباب المشروعة شرعية كانت أو قدرية مع اعتماد القلب على مسبب الأسباب. فالموحد لا يلتفت إلى الأسباب بمعنى أنه لا يطمئن إليها أو يرجوها ويخافها, وكذلك لا يهملها أو يلغيها, بل يكون قائماً بها ناظراً بقلبه إلى مسببها وهو الله وحده الذي لا يصح التوكل شرعاً ولا عقلاً إلا عليه سبحانه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد

كتبه فيصل بن عبد الله العمري 20/ 6/1426

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير