والخلاصة أن هذه الأحاديث لم تسلم من مقال في أسانيدها ولو صحت فإن متونها محمولة على أن الرخصة لأهل العوالي.
قال الطحاوي في " مشكل الآثار ": {أن المرادين بالرخصة في ترك الجمعة ف يهذين الحديثين هم أهل العوالي الذين منازلهم خارجة عن المدينة ممن ليست الجمعة عليهم واجبة). وقال ابن عبد البر: {وإذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرنا لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه.
الدليل الرابع: ما رواه النسائي عن وهب بن كيسان قال: {اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب فأطال الخطبة ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يومئذ الجمعة فذكر ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة} ورواه أبو داود من حديث عطاء بن أبي رباح
الجواب عليه:
1 - قال ابن عبد البر: (هذا الحديث اضطرب في إسناده) 1 هـ. وفيه اضطراب في المتن أيضاً فالرواية هنا (أنه خرج حتى تعالى النهار) وفي بعضها (صلاها ركعتين بكره) وفي رواية (صلى أول النهار)
2 - أنه إذا صح هذا الأثر ففعل النبي ? مقدم على فعل ابن الزبير بلا أدنى شك ولا ريب , فإنه ? لم يترك الجمعة بل كان يصلي بالناس الجمعة كما يصلي بهم العيد فأي الدليلين أحق بالإتباع؟ وأما قول ابن عباس (أصاب السنة) فمعارض بفعل الخليفة الراشد عثمان ? فإنه أقام الجمعة ولم يرخص إلا لأهل العوالي ثم نقول: أليس من صلى العيد ثم صلى الجمعة أصاب السنة لأنه جاء بما فعله نبيه ? , وأنه أحق بإصابة السنة ممن ترك الجمعة وصلاها ظهراً؟
3 - لا دليل في الأثر – لمن تأمله – على القول بترك الجمعة , لان ابن الزبير كما هو صريح خطب ثم صلى , وهذه إن كانت صلاة العيد فقد خالف السنة لان الخطبة بعد الصلاة , فالأقرب ما ذهب إليه بعض أهل العلم كالخطابي أن ابن الزبير صلى بهم الجمعة على قول من يرى صحتها قبل الزوال. فالأولى بمن يستدل بهذا الأثر أن يقول بسقوط العيد وصلاة الجمعة بدلاً عنها ولا قائل بذلك فيما نعلم.
4 - لو أخذنا بظاهر الأثر وأنها صلاة عيد لكان فيه إسقاط الجمعة والظهر معاً بصلاة العيد , وهذا مخالف للإجماع.
الدليل الخامس: استدلوا من جهة النظر بما يلي:
1 - إن اجتماع عبادتين من جنس واحد يدخل أحدهما في الأخرى كما يدخل الوضوء في الغسل. والجواب عن هذا انه لو صح هذا لسقطت الجمعة من أساسها ودخلت في العيد والحنابلة لا يقولون بذلك بل يوجبون الظهر, ثم أنهما ليسا من جنس واحد فالعيد سنة والجمعة فرض. وقياسهم بسقوط الوضوء بالغسل معكوس لأن الغسل أعم من الوضوء وأشمل فيسقطه, ولكن هل يقول أحد من الفقهاء: أن الوضوء يسقط الغسل؟
2 - قالوا: أنه بصلاة العيد يحصل مقصود الجمعة من الخطبة والاجتماع.
والجواب: لو صح هذا لترك النبي ? صلاة الجمعة وما صلاها. بل الثابت أن
المقصود حصول الصلاتين معاً الجمعة والعيد. كما أن في الجمعة أموراً ليست في العيد كما سيأتي في المرجحات.
3 - قالوا: أن في إيجاب صلاة الجمعة تضييقاً على الناس. والجواب: أن هذا يصدق على أهل البوادي المنتقلين إلى المدينة أما أهل البلد وبالذات في عصرنا فالمشقة منتفية , كيف وبعض الناس هم جيران للمسجد , والجوامع منتشرة في كل مكان.
4 - قالوا: أن فعل عثمان إنما هو اجتهاد منه. والجواب: ينبغي أن يقال وكذلك فعل ابن الزبير اجتهاد منه فمن أولى بالتقديم؟ أليس فعل عثمان أولى بالاتباع مع موافقته لظاهر الكتاب والسنة, أضف إلى أنه أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بإتباع سنتهم؟
إذا عرفت هذه الأجوبة مع ما تقدم من أدلة الموجبين للجمعة يوم العيد حصل عندك العلم – إن شاء الله – بأنه لا ينبغي التساهل والتفريط في حضور الجمعة بحجة حصول خلاف لأهل العلم في ذلك , لأنك مأمور بإتباع الكتاب والسنة وقد عرفت ما فيهما , ثم نزيدك بياناُ برجحان قول الشافعية بما يلي:
1 - أن العمل بهذا القول أسلم وأحوط للدين وفيه الموافقة للسنة العملية وفيه خروج من خلاف من أوجب الجمعة إذا وافقت عيداً.
2 - أتفاق أهل العلم عل شهود الجمعة وجوباً أو استحبابا, فغير خافٍ أن في حضور الجمعة خيراً كثيراً ومن ذلك حيازة الفضل في التبكير إليها وصلاة النافلة قبلها والقراءة والذكر وكونها أفضل من الظهر وكون خطبة الجمعة آكد من خطبة العيد.
3 - أن في هذا القول جمعاً بين الآثار كلها فتحمل الرخصة على أهل القرى والبوادي ويحمل وجوب الجمعة على أهل البلد الذين يسمعون النداء.
4 - أنه لم يعهد في شيء من الأمور الشرعية أن يرخص فيه للناس دون سبب وإنما تناط الرخص بحصول المشقة وتشرع تخفيفاً للناس وهذا لا يوجد في أهل البلد.
5 - قد يؤدي القول بسقوط الجمعة إلى التمادي في ذلك إلى أن يأتي يوم لا يعرف فيه الناس الجمعة في يوم العيد فتترك شعيرة من شعائر الإسلام.
6 - أن القول بسقوط حضور الجمعة يؤدي إلى التهاون في أداء الظهر فمن الناس من ينام إلى العصر , ومنهم من يصليها آخر الوقت , وربما اشتغل عنها باللعب واللهو بل ربما لم يصلها أصلاً كما حصل ذلك في الواقع. وكل هذا لا يرضاه الشرع.
7 - وجود وسائل النقل المريحة في عصرنا الحاضر وانتشار الجوامع وتعدد إقامة الجمعة , وفي غيلنا المحروسة تقام أكثر من عشر جمع – والبقية تأتي – وكل ذلك يسهل حضور الجمعة وينفي المشقة.
ونختم القول بأن أحد كبار العلماء في هذا العصر وهو العلامة ابن جبرين قام بدراسة وبحث هذه المسألة من كافة جوانبها وكتب رسالة قيمة فيها قال في ختامها: {بعد هذه الجولة والمراجعة لكتب الأئمة والتعرف على مذاهب العلماء وأقوالهم يترجح لي قول الشافعية. فتكون الرخصة خاصة بمن يأتي إلى العيد من مكان بعيد كأهل العوالي ونحوهم وذلك من باب التخفيف عليهم}.
والله أعلم , وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ,,,
حرره الفقير إلى الله: صالح بن سعد التريمي
حضرموت / غيل باوزير
7 ذو الحجة 1430 هـ
انظر الرابط:
http://www.alwsta.com/vb/showthread.php?t=12131
¥