(إنما أجاز النحويون: قام القوم إلا زيد بالرفع، على الصفة. وقد عقد سيبويه في ذلك باباً في كتابه فقال: هذا باب ما يكون فيه إلا وما بعده وصفاً بمنزلة غير ومثل. وذكر من أمثلة هذا الباب: لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا، {ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}.
وقليل بها الأصوات إلا بغامها ... وسوى بين هذا، وبين قراءة من قرأ: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} برفع غير، وجوّز في نحو: ما قام القوم إلا زيد، بالرفع البدل والصفة،)
وقال الزمخشري في المفصل:
(الإضافة إلى غير ومثل وشبه:
وكل اسم معرفة يتعرف به ما أضيف إليه إضافة معنوية، إلا أسماء توغلت في إبهامها فهي نكرات وإن أضيفت إلى المعارف، وهي نحو غير ومثل وشبه. ولذلك وصفت بها النكرات فقيل مررت برجل غيرك ومثلك وشبهك ودخل عليها رب قال:
يا رب مثلك في النساء غريرةٍ
اللهم إلا إذا شهر المضاف بمغايرة المضاف إليه كقوله عز وجل: " غير المغضوب عليهم "، أو بمماثلته.)
وقال المبرد في المقتضب:
(باب ما تقع فيه إلا وما بعدها نعتاً بمنزلة غير وما أضيفت إليه
وذلك قولك: لو كان معنا رجل إلا زيد لهلكنا. قال الله عز وجل: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " المعنى والله أعلم: لو كان فيهما آلهة غير الله، ولو كان معنا رجل غير زيد. وقال الشاعر:
أنيخت فألقت بلدةً فوق بلدة ... قليل بها الأصوات إلا بغامها
كأنه قال: قليل بها الأصوات غير بغامها، ف إلا في موضع غير. ومثل ذلك قوله:
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان
كأنه قال: وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه.
وقد تقع غير في موضع إلا؛ كما وقعت إلا في موضع غير. وقال الآخر:
وإذا أوليت قرضاً فاجزه ... إنما يجزي الفتى غير الجمل
فغير هذه في موضع إلا.
وتقول على هذا: جاءني القوم إلا زيد، ولا يكون إلا نعتاً إلا لما ينعت بغير، وذلك النكرة، والمعرفة بالألف واللام على غير معهود؛ نحو: ما يحسن بالرجل مثلك أن يفعل ذاك، وقد أمر بالرجل غيرك فيكرمني.)
والقاعدون عن الجهاد صنفان أصحاء وأولو ضرر، وغيرية أحدهما تدل على الآخر بالضرورة، فقوله تعالى القاعدون غير أولي الضرر تساوي قولنا القاعدون الأصحاء، فالوصفية واضحة وبها قيل في رفع غير.
وتلخيصا أقول:
*القاعدون معرفة ولو كانت أل فيها للجنس، ولو كانت قريبة من النكرة، فالخلاف ليس في تعريفها بل فيما يترتب على ضعف التعريف (كإعراب الجمل بعدها مثلا)
* غير في الآية الكريمة أعربت صفة، وعليه فتكون اكتسبت التعريف بالإضافة، وهو تعريف قريب من النكرة أيضا، ولكنه تعريف بدرجة ما، وإلا لزم وصف المعرفة بنكرة.
* الآية تجيب عن سؤال الأخ عزوز، ولو من جهة اللفظ.
* أنا لا أدافع عن إيغال غير ومثل وشبه في الإبهام، وإن فهم هذا فلتحذف الآيتين الكريمتين ويكتفى بالاستشهاد بالحديث الشريف وبآيتي سورة الرحمن.
* الاستشهاد بما ذكر جاء عفو الخاطر ولا يعني الاكتفاء بشاهد أو شاهدين ندرة المسألة (موضع سؤال الأخ عزوز)، ولو شاء شاء أن يأتي بما لا يحصى من الأمثلة شعرا ونثرا لما كان ذلك غريبا.
وأختم بشكر أستاذنا أبي عمرو بإثرائه للموضوع بما يزيد الفائدة.