أبي محمد عبدالحق بن عبدالواحد الهاشمي العُمري المكي
رحمه الله تعالى
كتبه
الفقير إلى عفو ربه العلي
بدر بن علي بن طامي العتيبي
عضو مركز الدعوة والإرشاد بمحافظة الطائف
عضو الجمعية العلمية السعودية لخدمة السنة وعلومها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد سألتني رعاكم الله عن صحة مسموعات الشيخ المحدث عبدالوكيل بن الشيخ العلامة محدث الحرمين عبدالحق الهاشمي.
وذكرت لي ما دار من نقاشٍ في الملتقى الماتع المفيد ملتقى أهل الحديث على شبكة الانترنت، وأن هناك من ينكر سماعه أو بعض سماعه، وطلبتم رعاكم الله رأيي في ذلك، فأقول على ضيقٍ من الوقت مستعيناً بالله تعالى:
حدث عام 1428هـ أن شكك بعض طلاب العلم في سماع الشيخ عبدالوكيل من أبيه، وكتبتُ حينها مشاركة يتيمة وحيدة في ملتقى أهل الحديث إذ لا مشاركة لي فيه من قبل.
وهذا الموضوع أجزم بأنني من أوائل من تكلم مع الشيخ فيه إن لم أكن أولهم، وذلك لأني عندما أتممت تحقيق ثبت والده "الثبت الكبير" ثم شرعتُ في تخريج ثبت للشيخ عبدالوكيل وسميته "الإكليل بأسانيد الشيخ عبدالوكيل" سمعتُ في سماع شيخنا مقالةً من بعض طلاب العلم، فقلت لشيخنا بلسان المصارحة والإشفاق: أدرك نفسك يا شيخنا، فرأس مال صاحب الحديث ضبطه وعدالته، وتحقيق مسموعاته، وإن نال منك النقاد باختلاف توجهاتهم شيئاً فسوف يطول الكلام، وتطيش الأقلام، ويختلف الناس في صدق السماع من عدمه، وأوصيت شيخنا بجمع كافة ما يثبت سماعه من والده وغير والده، كما طلبت من شيخنا إدراك من كان حياً من أقرانه وزملاءه في الطلب ليأخذ منهم شهادات بصدق سماعه من أبيه.
فأخرج لي الشيخ على طرّة بعض الكتب ما يثبت لي سماعه من أبيه، وكذلك شهادات بعض الفضلاء كعمر عبدالجبار رحمه الله وغيره.
وقبل الكلام عن حقيقة سماع شيخنا من أبيه إثباتاً ونفياً، وحقيقة إجازة بعض أهل العلم له أودّ التقدّم بخمس مقدمات:
المقدمة الأولى: الشكر لكافة من طلب تحقيق السماع من عدمه، وعدم التثريب عليه لأنه سار على نهج أهل الحديث من قبل، بتفحص أحوال الشيوخ، وتمييز صحة المرويات، وهذه سنة علماء الحديث صدقاً وعدلاً، وما دام في الوجود رواية وإسناد، فيجب أن يكون في الميدان حُفَّاظٌ ونقاد، وهذا ولله الحمد والمنة لم ينقطع على مرّ التاريخ في تمييز أحوال الرواة ومروياتهم.
ولكن الأهم: من هذا كلّه هو تذكير من اتجه إلى ميدان التفحص والنقد بالسير على طريقة النقاد الأقدمين، من الصدق مع الله، والصدق مع الناس، ومراقبة الله تعالى فيما يقول ويحكم به، ومعرفة ما يوجب الجرح وما لا يوجبه، وبذل الوسع في استقصاء الأمور، وعدم الاكتفاء بالإشارات، ورموز العبارات، وإنما عليه الأخذ بالدليل والبينة، والله تعالى يقول في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات:6).
فكذلك الواجب على الناقد أن يتقي الله تعالى فيما يتكلم به، فمرويات الراوي في نفسه أغلى من رفيع نسبه، فالنسب جاء معه خِلْقَةً، وأما الرواية فقد تَعِبَ في تحصيلها وَرَحَل وبَذَلَ وتَكَبَّدَ المشاق، فمن الظُّلْمِ والجور أن يأتي رجلٌ فيشكك طلاب الإسناد في رواية رجلٍّ بغير بينة، ويفسد عليه بضاعته، والله تعالى يقول في كريم قوله: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) (النور:15)، فلا يستهين الناقد بالكلام في عموم الناس، فكيف بخصوص من هُم عليّة أهل الفضل من أهل الرواية والإسناد، ورعاة الشريعة؟!.
¥