تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا الكلام أقوله في عموم الرواة لعموم النقاد، ولا أخص به الشيخ عبدالوكيل ولا غيره، بل حتى لو كان من أهل البدع والأهواء، فَلِتبكيتِ أهل البدعة والغلظة عليهم باب، ولتصحيح الأسانيد وتضعيفها باب آخر، فلا يحمل الناقد مخالفة المبتدع في دينه على إنكار مروياته بغير بينة، بل ولا مجرد التشكيك فيها، لأن هذا من جنس الظلم الذي حرمه الله تعالى على عباده أجمعين، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8).

وعليه فالواجب أن نلتزم جميعاً بضوابط أهل العلم في النقد، وقد دونوها في مؤلفاتهم، وهي معلومة مشهورة، ولكن أحببت التذكير بها نصيحة لنفسي ولجموع الإخوان.

المقدمة الثانية: الناس مؤتمنون على أنسابهم، والعلماء مؤتمنون على مرويّاتهم، فإذا قال الثقة: حدثنا فلان، قَبِلَهُ النُقَّاد، وأثبتوا سماعه من شيخه قبولاً لقوله، وتصديقاً له.

ولم يطلبوا الأصول، أو شهادات العدول إلا في حالة التشكيك في السماع أو نفيه بأمرٍ عارضٍ مِنْ شُهْرَةٍ بتدليسٍ أو إرْسَالٍ أو قِلَّةِ دين وعدالة، ولهذا أمثلة عديدة في كتب الرجال وأحوالهم.

والشيخ عبدالوكيل غير مأبون في دينه ولا في عدالته، والأصل قبول خبره، وتصديقه فيما نصّ على سماعه من والده أو غيره، ولا يطالب بتوثيق مسموعاته من أبيه إلا لمزيد الاطمئنان لا لتحقيق السماع من عدمه، كيف وقد شهد من تبرأ بهم الذمة بصحة سماعه؟!.

وعليه فالواجب قبول خبره، وإمضاء سماعه من أبيه حتى يثبت الدليل اليقيني على عدم سماعه منه كليّاً أو جزئياً.

المقدمة الثالثة: آفة التلقين من الآفات التي بُلِيَ بها البعض في هذا الزمان، وهي من أسباب الجرح عند العلماء من قديم الزمان، ولكل دين وارث!، ومقاصد التلقين عديدة، ولكنها اليوم تكاد تكون محصورة في طلب الانفراد بالرواية وعلو الإسناد!، فيذهب أهل التلقين إلى الأكابر ولو من عامة الناس، ويلتمسون كلّ ما يُشمّ منه رائحة إجازة أو سماع، ويستنطقونه بأن فلاناً أجازه، وذاك الشيخ المسن لا يدري عن حقيقة قولهم، ولا منتهى مرادهم، وقد روجع جماعة ممن قيل بأن لديهم رواية فوُجِد أنهم ما بين مثبتٍ ومنكرٍ ومترددٍ وجاهلٍ بالمعنى أصلاً، وهذه علةٌ عجز في طبها الأطباء، ولا طبّ لها سوى مراقبة الله تعالى والخوف منه.

المقدمة الرابعة: أن الراوي الثقة لا يضره في نفسه اختلاف النقاد في سماعه من بعض شيوخه من عدم ذلك، وإنما الضرر يكون في اتصال الإسناد.

وقد حصل لخلقٍ كثيرٍ من أئمةِ الحديث الاختلاف المشهور الذي لا يزال قائماً في إثبات سماعهم من شيوخهم من عدم ذلك.

وإنما الضرر يكون لمن هو معروف بالكذب فيدّعى سماع ما لم يسمع، وهذا غالباً يكون محل اتفاق بين النقاد، فيوصف بعد ذلك بالكذب أو سرقة الحديث ونحو ذلك.

والشيخ الفاضل رياض السعيد النجدي الأثري عندما أنكر سماع شيخنا من أبيه حكم بما بلغه، ولا لوم على من انتهى إلى ما سمع، ولكن من علم حجة على من لم يعلم، وإلا فهو من خيار أهل العلم والإسناد، ومن أهل العدالة والضبط، وأنصار التوحيد والسنة، هكذا أحسبه والله حسيبه.

والظنّ به وبسائر أهل العلم والفضل الرجوع إلى الحق إذا وضحت محجته، وتبينت جادته، وسوف يرى بإذن الله تعالى ما يحقق له ثبوت ما نفاه، والله الهادي إلى سواء السبيل.

المقدمة الخامسة: وهي لخصوص شيخنا عبدالوكيل أنه لا زال في الأمر سعة له ولهم!، فحقيق بشيخنا أن يخرج كلّ ما يثبت مسموعاته من والده، وجدير بالإخوة النقاد أن يرتحلوا للشيخ ويتفحصوا روايته، ويراجعونه فيما سمع، ويطلبوا الدلائل على إثباتها، كلّ ذلك رعاية للسنة النبوية، وخدمة لطلاب الأسانيد المروية.

وإذا ذكر الشيخ بأنه قد سمع من أبيه كتاباً ثم تبين له نسيانه أو وهمه أو خطؤه فيما بعد، فلا غرابة فذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير