وسمعت أبا العز ابن عمر يقول: حملني والدي إلى أبي القاسم بن شغبة لأسمع منه، وما كان لي سبع سنين، فما أخذ عليّ شيئاً إلا أن تمّ لي سبع سنين، وحفظني والدي حديثاً من أحاديثه بالإسناد، وهو حديث طلحة في السفرجل ((دونكها يا أبا محمد فإنها تجم الفوائد)) فقرأت عليه من حفظي، فتركني حتى سمعت منه الكثير، إلا أن سماعاتي عنه ضاعت.
ـ•ــ•ــ•ــ•ــ•ــ•ــ•ــ
الفائدة الثانية والستون (2/ 958)
أهميَّة تعليم الأبناء في صغرهم النحو والأدب والشعر
ترجمة أبي محمد عبد الله بن نصر بن عبد العزيز بن نصر بن عبد الله بن أحمد بن إسماعيل المرندي الأديب
جال البلاد في التطواف، ودار في الآفاق، واقتبس من الأئمة الكبار، وأخلق جدة في الأسفار، بالعراق، والجبال، وخراسان، إلى أن ألقى عصاه بمرو وسكنها، وكان له شعر حسن رائق، جمع فيه بين حسن اللفظ والمعنى، مع سرعة النظم، وجودة الخط، قرأ الأدب على الأديب أبي المظفر محمد بن أحمد الأبيوردي، وبرع فيه، ثم خرج إلى مرو الروذ، وتوفي بها.
الرواية:
أنشدنا الأديب المرندي من لفظه لنفسه وكتب لي بخطه:
ألا علِّموا الأولاد في جدَّة العمر ... فنونا من الآداب والنَّحو والشِّعر
فكم صانت الآداب ملكا مزلزلا ... وكم حقنت من أنفس مهجا تجري
• قال لي الأديب هذه إشارة إلى حكاية:
وهي أن معاوية بن أبي سفيان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: علِّموا أولادكم من فصيح الشِّعر، فإنَّه يُسخِّي البخيل، ويشجِّع الجبان، وكنت ليلة الهرير في حرب صفين في آخر ليلة استعرت الحرب في نهارها، وبعدها لم تستعر بينه وبين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حروب وقتال، قال معاوية: كنت ليلة الهرير لمَّا بارز علي بن أبي طالب بنفسه للقتال، وقتل بيده من عسكر من بُهْمِ الرِّجال نيفا وتسعمائة من الأبطال، يحصدهم حصدا، ويقدُّهم قدَّا، وضاق بي النطاق، وجف البصاق، هممت بأحد أمرين:
- إما أن أنحاز إلى موقف عبد الله بن عباس وأسأله لي الأمان من علي ويأذن لي في المقام بمكَّة
- وإمَّا أن ألحق ببعض جزائر الرُّوم وأستأمن إلى قيصر.
فتذكَّرت بيتين من الشِّعر فصبرت وثبتُّ حتَّى كان ما كان وهما:
أبت لي عِفَّتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثَّمن الرَّبيح
وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي
• قال الأديب المرندي:
وأمَّا حقن الدِّماء فما حكاه لي والدي، قال حكى أستاذي محمد بن حداد الحصني قال: لمَّا أقبل عبد الملك بن مروان على قتل الخوارج، وطلبهم تحت المدارج والمعارج، وظفر بشبيب وأصحابه؛ جلس، وكان يقدَّم إليه الخوارج واحدا واحدا، فيقتلون صبرا صبرا، فقام إليه شيخ من الخوارج فعرفه عبد الملك، وقال له أنت القائل:
ومنَّا أبو الأضياف سعد بن ناشب ... ومنَّا أميرُ المؤمنين شبيبُ
وكان شبيب هو الذي دعا إلى نفسه وبُويع له.
فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ما قلت كذلك، وإنَّما صُحِّف عليَّ، وإنَّما قلت: ... ومنَّا أميرَ المؤمنين شبيبُ، منصوب الرَّاء، وإنَما عنيتك يا أمير المؤمنين، وهو نداء، أردت: ومنَّا يا أميرَ المؤمنين شبيب
فخلَّى سبيله بحسن اعتذاره، وتخلُّصه بحرف واحد من النحو.
ـ•ــ•ــ•ــ•ــ•ــ•ــ•ــ
الفائدة الثالثة السِّتون (2/ 962)
مفسِّر ومحدِّث وواعظ يحرث ويزرع ويديس ويأكل من كدِّ يده!
قلة من يصدق في صحبته لغيره
ترجمة أبي بكر عبيد الله بن إبراهيم بن أبي بكر التَّفتازاني النِّسائي
كان إماما فاضلا مفتيا مفسرا محدِّثا واعظا مقرئا حسن السِّيرة مشتغلا بالعبادة والتَّهجُّد، وكان يتولَّى الحراثة والحصاد والدِّياس بنفسه في أرضه، ويأكل من كدِّ يده، على ذلك زجى عمره ...
قرأت عليه أجزاء، وكان قد تفقه بطوس على أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، وقرأ التَّفسير على أبي القاسم سلمان بن ناصر الأنصاري.
الرواية:
أنشدنا أبو بكر التَّفتازاني بنسا أنشدنا ابو العلاء صاعد بن سيَّار الحافظ الهروي إملاء بنيسابور أنشدنا الإمام علي بن فضَّال المجاشعي لنفسه:
وَإِخْوَانٍ حَسِبْتُهُمْ دُرُوعًا ........... فَكَانُوهَا وَلَكِنْ لِلأَعَادِي
وَخِلْتُهُمْ سِهَامًا صَائِبَاتٍ ........... فَكَانُوهَا وَلَكِنْ فِي فُؤَادِي
¥