تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واستمر على هذا المنوال غارفاً من بحار العلم فقرأ على علماء وصلحاء زمانه تبركاً مثل العلامة الخليفة الصالح علي بن عبدالرحمن بن أحمد الحبشي، وإبراهيم بن عمر الحبشي، وابنه محمد، والشيخ العلامة محمد العزب الذي انتُدِبَ مدرساً بمدرسةِ الفتح والإمداد المذكورة، إلاَّ أنَّ جُلَّ أخذه وحصول الفتح على يدي شيخه ابن موسى، فيروي لنا أنه يأتي هو وقرينه في الطلب ابن عمه العلامة عبدالله بن صالح بن هاشم الحبشي لبيت شيخهما ابن موسى بعد العِشَاءِ ويستمرون في الدرس، وفي ليلةٍ من اللَّيالي كان الدرسُ في شرح معاني فاتحة الكتاب وإعرابها فاستغرقوا ولم يشعروا بمرور الوقت حتى فاجأهم أذان صلاة الفجر.

وهكذا استمر على هذا الحال حتى رأى شيخه أنه قد وصل بدرجة المشيخة العلمية والإفتاء والتدريس فأذن له في ذلك فصار مدرساً بمدرسة الفتح والإمداد واستمر فيها مدةً طويلةً تَقْرُبُ من خمسةَ عشرَ عاماً فانتفَعَ به كثيرٌ من تلامذتها، وأهلِ بلادها. وتخرج على يديه أجيال كثيرة فمن طلائع الجيل الأول السيد العلامة صالح بن أبي بكر بن محمد الحبشي المتوفى 1393هـ الموافق: 1973م ومن في طبقته، ثُمَّ من طلائع الجيل الثاني السيد الداعية إلى الله العلامة عبدالله بن محمد الصادق الحبشي، والسيد الفقيه عبدالقادر بن عبدالرحمن بن هود الحبشي ومن في طبقتهما، ثُمَّ من طلائع الجيل الثالث السيد سالم بن عيدروس بن محمد الحبشي المتوفى: 1409هـ ومن في طبقته، وكنت ولله الحمد ممن قرأ عليه وانتفع به انتفاعاً كثيراً فكان دأبه تشجيعُ الطلبة وحثُهم على طلب العلم والغوص في كلِّ فنٍّ شريف فكنا نلقاه دائماً مبتسمَاً طَلِقَ الوجه، رَحِبَ الصدر خصوصاً لطلبة العلم ومناقشاتهم لا يألوا جهداً في الجواب على الأسئلة العلمية حتى ولو في جادة الطريق.

كما أنه كثيراً ما يزور مشاهدَ السلف الصالحين الأحياء والميتين، وكثيراً ما يتردد إلى تريم وسيؤن وشبام، وقد زار دوعن وعدن، وحضر عدةَ مراتٍ زيارةَ نبي الله هود عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، كما كانت له كثيرٌ من الردودِ الشرعية القوية منها ما حصل له مع العلامة (مفتي الديار الحضرمية بوادي الأحقاف) السيد عبدالرحمن بن عبيداللاه السقاف، والذي قال في قولته المشهورة بعد أنِ اطَّلَعَ على بعض الردودِ الشرعية: (إن كان هناك فقيهٌ في حضرموتَ فهو عيدروس بن عبدالقادر الحبشي).

ثم إنه كُلِّفَ بمزاولةِ مهنةِ القضاءِ الشرعي بمدينة الحوطة وضواحيها أيامَ السلطنةِ الكثيرية فلبى دعوة والي الأمر بعد أن تردَّدَ كثيراً فيها زمناً، ثم تركها. وفي بداية السبعينات وبعد قيام الدولة الشيوعية حصل له أذًى كثيراً كغيره من علماء الوادي فَسُجِنَ وَفَقَدَ بصره إلاَّ أنه صبرَ محتسباً لقضاءِ الله وقدره.

وتجلدي للشامتين أريهمو

أني لريب الدهر لا أتصدع

ثم استعاد بحمد الله تعالى بصرَهُ بعد أن عالج ناوياً بذلك تلاوةَ كتاب الله العزيز، ومطالعةَ كتب العلم الشريف.

ثم تفرغ للقيام بأعمال سلفه الصالحين في التصدر للتدريس، والإفتاء، والدعوة إلى الله، وإحياء مجالس العلم، وحضرات الذكر. فكانت له لسان في الوعظ والتذكير، كما أنَّ له المساهمات الشعرية والأدبية، منها ما حدثني عنها أنَّه قال: حصلتْ مسابقةٌ شعريةٌ على ما يُعْرَفُ عند أهل حضرموتَ بالتريك (سراج كبير معروف) فدخلت فيها من الحوطة أنا وأخي العلامة شيخ بن عبدالرحمن الحبشي، ومن سيؤن العلامة محمد بن شيخ مساوى، والعلامة عيدروس بن عيدروس السقاف (السوم)، ومن تريم السيد العلامة عابدين جنيد ... الخ القصة.

وأخيراً وقبل وفاته ابتُلِيَ بمرضٍ عُضَالٍ حار فيه الأطباء فاضطر إلى السفر والترحال. وكان قد سافر من قَبْلُ لأداءِ النسكين وزيارةِ سيد الكونين صلى الله عليه وسلم، فسافر بعد مرضه مرتين الأولى إلى أرض الحرمين الشريفين، فزار هناك بيتَ الله الحرام، وَجَدَّةُ المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، فكانت له هناك المجالسات والمدارسات والمذاكرات وتلقى بعضَ العلاجات وعاد إلى وطنه، ولكنَّ المرض استمر معه وهو صابرٌ محتسبٌ فاضطر إلى السفر مرة ثانية لدولة الإمارات لتلقي بعضَ العلاجات إلاَّ أنَّ الله قد قضى بانتهاء الأجل فلبى دعوة رَبِّه ورحل سائلاً من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير