ومنهم من رتب على الأبواب الفقهية وغيرها، ونوعه أنواعا، وجمع ما ورد في كل نوع وفي كل حكم، إثباتا ونفيا في باب فباب، بحيث يتميز ما يدخل في الصوم مثلا عما يتعلق بالصلاة، وأهل هذه الطريقة منهم من تقيد بالصحيح: كالشيخين وغيرهما، ومنهم من لم يتقيد بذلك، كباقي الستة، ومنهم المقتصر على الأحاديث المتضمنة للترغيب والترهيب، ومنهم من حذف الأسانيد، واقتصر على المتن فقط،: كالبغوى في مصابيحه واللؤلىء في مشكاته،
وبالجملة فقد كثرت في هذا الشأن التصانيف، وانتشرت في أنواعه وفنونه التآليف، واتسعت دائرة الرواية في المشرق والمغرب، واستنارت مناهج السنة لكل طالب، ولله الحمد على ذلك، وأستزيده على ما هنالك، فانه من اجلّ ما تنفق فيه نفائس الأوقات،وأحق ما تنصرف إليه عزائم الرغبات،
ويرحم الله أبا بكر حميد القرطبي، فلقد أحسن وأفاد ناصحا لمن كان له قلب، أو ألقى السمع دائم الرشاد حيث قال:
نور الحديث مبين فادن واقترب واحد الركاب له نحو الرضا النّدس
واطلبه بالصين فهو العلم إن رفعت أعلامه برباها يا ابن أندلس
فلا تضع في سوى تقييد شارده عمرا يفوتك بين اللحظ والنفس
وخل سمعك عن بلوى أخي جدل شغل اللبيب بها ضرب من الهوس
ما إن سمت بابي بكر ولا عمر ولا أتت عن أبي هر ولا انس
إلا هوى وخصومات ملفقة ليست برطب إذا عدت ولا يبس
فلا يغرك من أربابها ندر * أجدى وجدك * منها نغمة الجرس
اعرهم أذنا صمّا إذا نطقوا وكن إذا سألوا * تعزى إلى الخرس
ما العلم إلا كتاب الله أو اثر يجلو بنور هداه كل ملتمس
نور لمقتبس، خير لملتبس حمى لمحترس، نعمى لمبتئس
فأعكف ببابهما على طلابهما تمحو العمى بهما عن كل ملتمس
ورد بقلبك عذبا من حياضهما تغسل بماء الهدى * مافيه من دنس
واقف النبيّ وأتباع النبيّ وكن من هديهم أبدا تدنو إلى قبس
وألزم مجالسهم واحفظ مجالسهم واندب مدارسهم بالأربع الدرس
واسلك طريقهم واتبع فريقهم تكن رفيقهم في حضرة القدس
تلك السعادة إن تلمم بساحتها فحط رحلك قد عوفيت من تعس
• في الأصل هذر
• في الأصل اجرى وجبرك
• في الأصل سايلوا
• في الأصل الهوى التصحيح من أوجز المسالك 1/ 87
ـ[حمادى محمد بوزيد]ــــــــ[26 - 12 - 09, 01:41 ص]ـ
الباب الأول
فيما للعلماء في مدح موطأ الإمام
وما اشتمل عليه من شفوق الفضل والمزايا العظام، وفيه مسائل منها ما ذكر، ومنها مالهم في اختصاصه بهذا الاسم، وتحليته بهذه التحلية، وما السبب في وضعه، وما جاء فيه من البشائر النبوية، وما وصفه به في الصحة الأئمة الكبار، وما الموجود فيه بعد التخلص من الأحاديث والآثار، ومن روى عنه الموطأ من ذوى الرسوخ، وعمن رواها هو من أئمة الشيوخ،
فأما للناس في مدحه:
فاعلم أن كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة المجمع على جلالته، من اجلّ المصنفات، وأنفس المؤلفات،
قال القاضي أبوبكر بن العربي في شرح الترمذي: الموطأ هو الأصل الأول واللباب، وكتب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب، وعليهما بنى الجميع، كمسلم والترمذي، قال: وذكر ابن اللبان أن مالكا روى مائة ألف حديث، جمع منها في الموطأ عشرة ألاف، ثم لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة، ويختبرها بالآثار والإخبار، حتى رجعت إلى خمسمائة،
وقال الكيا الهراسي في تعليقه في الأصول إلى موطأ مالك: كان اشتمل على تسعة ألاف حديث، ثم لم يزل ينتقى حتى رجع إلى سبعمائة،
واخرج الحسن بن فهر* في فضائل مالك عن عتيق بن يعقوب، قال: وضع مالك الموطأ، وفيه أربعة ألاف حديث أو أكثر، ومات وهى ألف حديث ونيف، يخلصها عاما عاما بقدر مايرى أنه أصلح للمسلمين، وامثل في الدين، ثم إن هذه العشرة ألاف حديث التي اسقط أكثرها من الموطأ ما تركها وأهملها رأسا، بل يحّدث كل قوم بما يفهمونه منها، بل ولا المائة ألف التي رواها عن شيوخه، (ا) وكتبها بيده، فقد رواها عنه أصحابه، وعملوا بها على قدر افهماهم ودياناتهم وصدقهم، فقد روى أنه أخذ عنه عشرون ألف مجتهد، ولكل من خواص أصحابه اجتهاديات، وأمور مستنبطات من أصول مخرجات، وهي سبب اتساع مذهبه المشبه بالعراق، وغالبها موجود في دواوين مذهبه السبع المعروفة، فالذي في خصوص مدونة سحنون منها خمسون ألف حديث، ثلاثون ألفا مرفوعة، وعشرون ألفا موقوفة،مما غالبها لامجال للرأي فيه، وكل واحد من الستة الباقية فيها جملة وافرة، فلله دره من
¥