تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعن أبى مصعب أنه قال: سمعت مالكا يقول: دخلت على أبى جعفر أمير المؤمنين، وهو على فراشه، وإذا بصبي يخرج ثم يرجع، فقال لي: أتدرى من هذا؟ فقلت: لا، قال: هذا ابني، وإنما يفزع من هيبتك، وكان إذا سئل عن مسألة فقال فيها، لم يجرؤ أحد أن يسأله من أين رأى ذلك؟

وقال الشافعي رضي الله عنه: كان مالك شديد الهيبة، كثير الصمت، لايكاد يتكلم إلا أن يسأل، وربما سئل فصمت كثيرا، حتى يتوهم السائل أنه لايحسن، ثم يجيبه بعد مدة، فإذا أجابه فرح السائل بجوابه واستغنمه، وربما احتاج أن يستفهمه فمن هيبته يسكت،

وعن أبى إبراهيم المزني قال: حججت سنة، فأتيت المدينة، فحدثني إسماعيل بن جعفر الخياط، قال: نزلت بى مسألة، فأتيت مالك بن أنس، فسألته عنها، فقال لي مالك: انصرف حتى أنظر في مسألتك، قال: فانصرفت وأنا متهاون بعلم مالك، وقلت: هذا الذي تضرب إليه المطىّ، لم يحسن مسألتي، قال: فنمت فأتاني آت في منامي، فقال: أنت المتهاون بعلم مالك بن أنس، أما انه لو نزل بمالك من أرق من الشعر، وأصلب من الصخر، لقوى عليه باستعانته عليه بما شاء الله، لاحول ولا قوة إلا بالله، وكان يكثر من قول: ماشاء الله، فقال رجل: ما أثر ما يقول مالك: ماشاء الله! قال: فأتى في منامه فقيل له: أنت القائل ما أكثر ما يقول مالك ماشاء الله؟! لو شاء مالك أن يثقب الخردلة بقوله ماشاء الله لفعل،

وعن أبى حبيب العبدى قال: كنا نأتي مالك بن أنس نجلس في دهليز، فيجىْ بنو هاشم، وتجئ قريش، فتجلس على منازلها، ثم نجىْ نحن ونجلس، وتخرج جارية له بالمراوح، فيأخذ الناس فيتروحون فتقول: الشيخ بمصراع الباب، فيفتحه فيخرج، فينظر إلى قريش كأنها على رؤوسهم الطير، إذا نظروا إليه إجلالا، قال: وفي ذلك يقول الإمام الجليل عبد الله بن المبارك رضي الله عنه:

صمت إذا ما الصمت زين لأهله وفتاق أبكار الكلام المختم

وعى ما وعى القرآن من كل حكمة ونيطت له الآداب باللحم والدم

وفيه قال عبد الله بن سلام الخياط:

يأبى الجواب فما يراجع هيبة والسائلون نواكس الأذقان

أدب الوقار وعز سلطان التقى فهو المهاب وليس ذا سلطان

وكان له كاتب قد نسخ كتبه، يقال له حبيب يقرأ للجماعة، وليس أحد ممن حضر يدنو منه، ولا ينظر في كتابه، ولا يستفهمه هيبة له وإجلالا، وكان حبيب إذا قرأ فأخطأ فتح عليه مالك، وكان ذلك قليلا،

وقال ابن وهب: حججت سنة ثمان وأربعين، وصائح يصيح: لا يفتى في الناس إلا مالك و عبد العزيز بن الماجشون،

وقال ابن المدني رحمه الله: كان مالك يذهب لقول سليمان بن يسار، وسليمان بن يسار يذهب لقول عمر بن الخطاب، فمذهب مالك إذا مذهب عمر بن الخطاب،

وأما شدة تعظيمه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، (*)

فقال يحي بن بكير: كان مالك إذا عرض عليه الموطأ تهيأ، ولبس ثيابه وعمامته، ثم أطرق لا يتنخم، ولا يعبث بشيء من لحيته، حتى يفرغ من القراءة إعظاما لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،

وعن إسماعيل بن أبى أويس قال: كان مالك إذا أراد أن يحدث توضأ، وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة وحدث، فقيل له في ذلك؟ فقال أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكره أن يحدث في الطريق، أو وهو قائم، أو يستعجل، ويقول: أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،

وعن معن بن عيسى قال: كان مالك إذا أراد أن يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، اغتسل، وتبخر، وتطيب، فإذا رفع أحد صوته عنده، قال له: اغضض من صوتك، فان الله عز وجل يقول: ((يا أيها الذين آمنوا لاترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)) فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنما رفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم،

وعن عبد الله بن المبارك قال: كنت عند مالك بن أنس وهو يحدثنا، فجاءت عقرب فلدغته ست عشرة مرة، ومالك متغير لونه، ومتصبر، ولا يقطع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ وتفرق الناس عنه، قلت له: يا أبا عبد الله لقد رأيت منك عجبا، قال: نعم إنما أنا صبرت إجلالا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،

وكان لايركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنه، ويقول لا أركب في مدينة فيها جثة رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفونة،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير