5 - بما أنّ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فلِتصوُّرِ الحق المالي للتأليف، لا بدّ بادئ ذي بدء من معرفة أنّ هذا الحق مصدره القانون لا الشرع، هذا لا يعني بالضرورة أنّ هذا الحق لا تقرّه قواعد الشرع وإنما المراد أنّ الذي أوجد هذا الحق ويوجده القانون، توضح ذلك الفقرة التالية.
6 - لم يكن الحق المالي للتأليف معروفاً قبل أن يصبح استغلال المؤلفات تجارة واسعة رابحة لها دور ظاهر في الاستثمار، وذلك بوجود المسارح ودور التمثيل ووجود المطابع ودور النشر التي نتج عنها الثورة الصناعية والتجارية في نشر المؤلفات.
ويقال عادة: (إنّ أول قانون صدر بحماية هذا النوع من الحقوق، القانون الفرنسي الصادر في عام 1791م وقد اقتصر على حماية الحق المالي للمؤلفات المسرحية ثم صدر القانون الفرنسي في عام 1792م يمدّ تلك الحماية إلى جميع المصنفات الأدبية والفنية، ثم تتابعت القوانين الأخرى في البلدان المختلفة) (الوسيط 8/ 282).
ووجدت بعد ذلك الاتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية لحماية الحق المالي للتأليف.
ويلاحظ أنّ القوانين كلها والاتفاقيات الدولية لا تحمي الحق المالي للتأليف على الإطلاق، بل تصنف المؤلفات إلى نوع يحميه القانون ونوع مباح للكافة.
فمثال الصنف الأول ما تشمله المواد: الثالثة والرابعة والخامسة من نظام حماية حقوق المؤلف في المملكة العربية السعودية.
ومثال الصنف الثاني ما تشمله المادة السادسة من النظام نفسه.
وفي حماية النظام للصنف الأول توجد استثناءات، مثالها في النظام السعودي ما تشمله الفقرات 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9 من المادة الثامنة من النظام.
والحماية التي يقررها القانون للحق المالي للتأليف ليست مطلقة من حيث الزمان وإنما هي مؤقتة بأجل معين إذا انتهى انتهت الحماية.
وليست مطلقة من حيث المكان إذ أنّ القانون نفسه محدد في سلطانه من حيث المكان فلا يتجاوز سلطانه حدود سيادة الدولة التي أصدرته، والوسيلة إلى تجاوزه هذه الحدود الاتفاقيات الدولية.
وبما أن هذا الحق من خلق القانون وإيجاده فإنّ القانون سواء ظهر في شكل قانون وطني أو في شكل اتفاق دولي يمكن له دائماً أن يحدد هذا الحق ويعدل فيه بل ويلغيه.
لعلّ ما ذكر كافٍ لإيضاح أنّه يوجد فارق أساسي بين هذا الحق الذي يوجده القانون ولا يوجد إلاّ به، والحقوق الأخرى للإنسان المقررة بالشرع في الإسلام وفي الغرب بما يسمى القانون الطبيعي، مثل حق الملكية، ومن الخطأ مع هذا الفارق الجوهري قياس الفقيه المسلم هذا الحق الذي لا يوجد إلاّ بالقانون وبالقدر الذي يفصله القانون بالحقوق الأخرى المقررة بالشرع أو على الأقل إجراء هذا القياس دون اعتبار لهذا الفارق الجوهري.
7 - بعد أن عرفنا أن هذا الحق من إيجاد القانون، وأن القانون هو الذي يحدد نطاقه فيوسع فيه ما شاء أو يضيق، ويسلبه من بعض المؤلفات، ويعيد منحه لها، فإنه للتعرف على طبيعة هذا الحق القانوني ووزن أحكامه ينبغي معرفة البيئة التي وجد فيها والمؤثرات والدوافع والأهداف في صياغة أحكامه.
إنّ القوانين المنظمة لهذا الحق في العالم الإسلامي انتسخت من القوانين الغربية، وهذه الأخيرة وجدت في بيئة النظام الرأسمالي، وفي هذه البيئة تلعب المنفعة المادية والقيمة المحسوبة مالياً الدور الهام، وفي ضوء هذا المعنى تفسر مقاصد وأهداف وسلوك البشر المحكومين بمقتضيات ومؤثرات تلك البيئة، وفي هذه البيئة لا يدخل في الحساب والاعتبار أنّ مؤلفاً يبذل جهده في التأليف لا يبتغي إلاّ وجه الله، ويطلب الجزاء الإلهي لقاء نفع الخلق ويؤدي واجب الجهاد باللسان والقلم ويستجيب لله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعتقد أنه لأنْ يهدي الله به رجلاً واحداً خير له من حمر النعم، وأن العلم النافع صدقة جارية إلى يوم القيامة، وأن ما عند الله خير وأبقى وأجل من أن يستعيض عنه ثمناً بخساً دراهم معدودة، ويعتقد أن ما عند الله إنما ينال بإخلاص النيّة ونفي أن يشاب بحظوظ النفس الفانية وإن تعاظم حجم العمل وتأثيره في نفوس المتلقين إنما يكون بقدر ما يضع الله فيه من البركة وله من القبول وذلك إنما يكون بالإخلاص الذي لا حظ للنفس فيه ولذلك كان أشق شيء على النفس كما قال الإمام الجنيد رحمه الله.
¥