تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكأني بالحافظ الكبير لم يرو عن طريق شيخه ابن كرتيلا إلا كتاب المجالسة، حتى أن الحديث الذي رواه عنه في المشيخة كان في فضائل معاوية ومن طريق المجالسة، قال محمد بن مروان: حدثنا أحمد بن سنان القطان قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن الحارث بن زياد، عن أبي رهم، عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله r يقول لمعاوية: "اللهم علمه الكتاب والحساب، وقه العذاب". وكذلك فإن هذا الكتاب لم يكن ضخماً، ففي المجلدة الواحدة قد لا نعثر على أكثر من خبرين، وقد يزيد عدد هذه الأخبار حتى يصل إلى خمسة، ولعل المجلدة التي ترجم فيها الحافظ لمعاوية قد جمع فيها أكثر ما يمكن جمعه فبلغ ما نقله في ترجمة معاوية أحد عشر خبراً تنوعت موضوعاتها بتنوع الأخبار التي أراد أن ينقلها إلينا، نجد فيها ما روي عن الرسول r في بيان فضل معاوية والدعاء له. وتبشيره بالجنة، كذلك نجد فيها أقوال الصحابة وبعض التابعين في معاوية وما يمتاز به من دهاء وعلم وعفو وجود، ولا شك في أن بعضها سيكون خاصاً بسياسة معاوية في الرعية وعلاقته بأشراف قريش، ووجهائها بشكل خاص، والصحابة بشكل عام. ويبدو لنا في هذه الأخبار كأن معاوية قد أحسن التقدير والتدبير، ووضع الأمور في مواضعها، وأعطى كل شأن نصيباً كافياً من حكمته وتدبيره فدانت له البلاد، وأذعنت له العباد.

وقد يتبادر إلى الذهن أن ما بثه ابن عساكر من أخبار معاوية في تاريخه نقلاً من "المجالسة" قد عاد فلمه في ترجمته، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث وربما نعثر على الموضوع الواحد ولكن من طريقين، وبروايتين نقلهما السعيدي وعنه ابن عساكر (7)، وهذه من المزايا الهامة التي يتصف بها تاريخ دمشق فهو على ضخامته قلما يلجأ مؤلفه إلى التكرار، وما أكثر ما يعيدنا في مكان من التاريخ إلى مكان آخر قائلاً: ذكرناه في موضع كذا فغنينا عن إعادته، وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على أن التاريخ كله يعيش في ذاكرة الحافظ الكبير، ويلازم تفكيره، وهذا ما لا نجده عند غيره من المؤلفين. وأقرب شاهد على ما أقول الخطيب البغدادي في تاريخه وفي غير التاريخ (8).

كذلك قد يظن ظان أن مؤلف كتاب "المجالسة" أراد أن يرفع من شأن معاوية، وأن يحيطه بهالة ضخمة من الأبهة والتقدير، ولكن من يمعن النظر في عدد من الأخبار يرى أن مؤلف الكتاب لم يكن يقصد إلى شيء من ذلك، ولكنه حكى ببساطة أخبار معاوية مع أهله، وأقاربه، ومع الأشراف وجوه القبائل والشعراء الوافدين عليه، ومع النساء اللواتي استدعى بعضهن وجاءته الأخريات ساعيات من أجل مصلحة خاصة أو عامة. لقد كان الكتاب خاصاً بمعاوية جمع فيه مؤلفه أخبار معاوية الخليفة ولكنه جمع فيه كل ما لمعاوية وما عليه بصدق وأمانة فأظهرت أخباره كل ما لمعاوية من حكمة وحلم ورحمة ومقدرة على مداراة الخصوم، ومعرفة بأساليب استمالتهم، وما عليه من مكر ودهاء، وتفضيل للمصلحة السياسية على كل شيء.

1 - كان معاوية جواداً ممدحاً غزير العطاء من أجل ذلك قصدته وجوه العرب وغص بلاطه بالشعراء والوجهاء، وكان مجلسه لا يخلو من عظماء قريش وسادتها حتى أن عبد الله بن الزبير كان يطمع في عطائه، وكذلك عبد الله بن جعفر وهما من هما من الشرف والوجاهة. وحفل كتاب المجالسة بأخبار هؤلاء الوفود فكانت صفحات أدبية مشرقة ووثائق تاريخية هامة فيها أكثر من معنى يفيد منه المؤرخ الباحث، والدارس لأحوال هؤلاء العظماء، وعلاقتهم بمعاوية.

وفي خبر طويل يرويه الحافظ من طريق المجالسة نعلم أن عبد الله بن جعفر كانت له كل عام وفادة على معاوية يعطيه ألف درهم، ويقضي له مائة حاجة. ولنسمع جانباً من الحديث الذي دار بينهما في إحدى هذه الوفادات. يقول عبد الله بن جعفر (9): "لا يمنعك من قضاء حاجاتنا وصلة أرحامنا حاجتنا إليك وغناك عنا، فإنه ليس كل حاجة تتم، ولا كل غنى يدوم، وقد عودتنا من نفسك عادة صارت لنا عليك فريضة، أن تقف بنا عندها رضينا، وإن زدتنا عليها حَمَلْنا زيادتها" ثم يقول له:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير