قال الضياء: كان شيخنا الحافظ رحمه الله، لا يكاد يضيع شيئاً من زمانه بلا فائدة؛ فإنه كان يصلي الفجر، ويلقن الناس القرآن، وربما أقرأ شيئاً من الحديث، فقد حفظنا منه أحاديث جمة تلقيناً، ثم يقوم يتوضأ، فيصلي ثلاثمائة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى قبل وقت الظهر، ثم ينام نومة يسيرة إلى وقت الظهر، ويشتغل إما للتسميع بالحديث، أو بالنسخ إلى المغرب، فإن كان صائماً أفطر بعد المغرب، وإن كان مفطراً صلَى من المغرب إلى عشاء الآخرة، فإذا صلَّى العشاء الآخرة، نام إلى نصف الليل أو بعده، ثم قام كأن إنساناً يوقظه، فيتوضأ ويصلَّي لحظة كذلك، ثم توضأ وصلَّى كذلك، ثم توضأ وصلَّى إلى قرب الفجر، وربما توضأ في الليل سبع مرات أو ثمانية، أو أكثر فقيل له في ذلك، فقال: ما تطيب لي الصلاة إلا ما دامت أعضائي رطبة، ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر، وهذا دأبه، وكان لا يكاد يصلَّي صلاتين مفروضتين بوضوء واحد.
وهذا جوابُ سؤالٍ عن فقدان لذة الايمان؟
فأجاب: أما فقدان ما نجده من الحلاوة واللذة، فلا يكون دليلاً على عدم القبول فإن المبتدىء يجد ما لا يجد المنتهى، فإنه ربما مَلَّت النفس وسئمت لتطاول الزمان، وكثرة العبادة. وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان ينهى عن كثرة العبادة والإِفراط فيها، ويأمر بالاقتصاد، خوفاً من الملَل. وقد روى "أن أهل اليمن لما قدموا المدينة جعلوا يبكون، فقال أبو بكر رضي الله عنه: هكذا كنا حتى قست القلوب"
ب-رثاهم شيخ الإسلام موفق الدين بقوله:
مات المحب، ومات العز والشرف - - أئمة سادة، ما منهم خلف
كانوا أئمة علم يستضاء بهم - - لهفِي على فقدهم لو ينفع اللهف
ما وَدَّعوني غداة البين إذ رحلوا - - بل أَودعوا قلبي الأحزان وانصرفوا
شيعتهم ودموع العين وأكفة - - لبينهم، وفؤادي حشوه أسف
أكفكف الدمع من عيني فيغلبني - - وأحضر الصبر في قلبي فلا يقف
وقلت: ردوا سلامي، أوقفوا نفسا - - رفقاً بقلبي، فما ردوا ولا وقفوا
ولم يعوجوا على صب بهم دنف - - يُخْشَى عليه لما قد مسه التلف
أحباب قلبي، ما هذا بعادتكم - - ما كنت أعهد هذا منك يا شرف
بل كنت تعظم تبجيلي ومنزلتي - - وكنت تكرمني فوق الذي أصف
وكنت عوناً لنا في كل نازلة - - تظل أحشاؤنا من همها تجف
وكنت ترعى حقوق الناس كلهم - - من كنت تعرف أو من لست تعترف
وكان جودك مبذولاً لطالبه - - جنح الليالي إذا ما أظلم السدف
وللغريب الذي قد مسه سَغَب - - وللمريض الذي أشفى به الدنف
وكنت عوناً لمسكين وأرملة - - وطالب حاجة قد جاء يلتهف
21 - إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الدمشقي، الفقيه. الزاهد الورع العابد. الشيخ عماد الدين، أبو إسحاق وأبو إسماعيل، أخو الحافظ عبد الغني الذي تقدم ذكره: ولد بجماعيل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.:
قال: وأوصاني وقت سفري، فقال: أكثر من قراءة القرآن، ولا تتركه فإنه يتيسر لك الذي تطلبه على قدر ما تقرأ، قال: فرأيت ذلك وجربته كثيراً، فكنت إذا قرأت كثيراً تيسر لي من سماع الحديث وكتابته الكثير، وإذا لم أقرأ لم يتيسر لي.
قلت-طلال-: ومن الطلبة من ينام عن ورده بحجة طلب العلم ولا يراجع قرآنه ومحفوظه منه، وقد يمر عليه الهلال والهلالين وهو لم يختم، أبعد هذا يبغي الامامة في الدين؟!! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
22 - عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين العكبري، ثم البغدادي الأزجي المقرئ، الفقيه، المفسر الفرضي اللغوي، النحوي، الضرير، محب الدين، أبو البقاء بن أبي عبد الله ين أبي البقاء: ولد ببغداد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة هكذا قال غير واحد.
معاني "بله":
ومن كلامه "بله" تستعمل على ثلاثة أوجه.
أحدها: أن تكون بمعنى "غير".
والثاني: أن تكون بمعنى "دع" فتكون مبنية على الفتح.
والثالث: أن تكون بمعنى "كيف" فإن دخلت "من" عليها كانت معربة، وجُرّت بمن.
وجوه استعمالات "أفعل":
ومن كلامه في حواشي المفصل: "أفعل" تستعمل على وجهين.
¥