تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحركات الإسلامية قامت بدور عظيم في توعية الأمة ووضعها على سكة النهضة، وهي أشبه ما تكون بصوت الصارخ الذي أيقظ النيام ونفض عن رؤوسهم الغبار، ولكن رسوخ العلم الشرعي وتأسيسه وبناء معالمه يحتاج إلى تكوين عميق وعمل دائب؛ إذ إن وجود العلماء لا يأتي بين عشية وضحاها، ولا سيما بعد تلك العهود من الغفلة وتراكم الجهل وعودة الأمية مرة أخرى، كما كانت قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ما أفادته سورة الجمعة في قوله ـ تبارك وتعالى ـ: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة: 2] ثم قال: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 3 - 4].

ففي هذه الآيات بيان لدورتين من دورات التاريخ الإسلامي: الأولى: نبوة بعد جاهلية وأُمِّية. والثانية: علم بعد جاهلية وأمية. وبالرغم من الجهد الكبير الذي بذله الدعاة حتى أصبح الإسلام معروفاً بعد أن كانت أحكامه مجهولة ومنكرة عند كثير من الناس، إلا أن هذه الحركات لم تعطِ الاهتمام الكافي لتأسيس العلم على قواعده، وإيجاد العلماء الربانيين المؤهلين لحمل العلم وتعليمه والاجتهاد فيه، بل نرى الكثير من هذه الحركات اكتفت بالعمل السياسي، ويتولى قيادتها من ليس له باع في العلم الشرعي؛ وذلك لندرة هؤلاء العلماء، ونشأت حالة من الزهد بالعلم الشرعي، ولم يعد هذا العلم على رأس الأولويات الحركية، علماً بأن شرطَ تولي الولايات الشرعية في النظام السياسي الإسلامي بلوغُ من يتولون هذه الولايات درجة الاجتهاد، وأن يحصِّلوا من علوم الشريعة ما يجعلهم قادرين على معرفة الأحكام وعلى الترجيح والاختيار.

مشروع إعداد العلماء ... آمال بحاجة إلى سواعد للبناء:

البيان: لكم مشروع رائد نال كثيراً من اهتمامكم حول إعداد العلماء، ونود أن يطَّلع عليه قرَّاء مجلة البيان، حدِّثونا عن هذا المشروع، وما مقصدكم منه وآمالكم من خلاله؟

إن هذا الأمر ـ وهو إعداد العلماء على هدي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين وسلف الأمة في القرون الثلاثة الأولى ـ هو ما يشغل همي وفكري؛ فلا أكاد أجد في المناهج القائمة ولا في السلوك العملي لطلبة العلم ولا في البيئة العلمية ما يحقق هذه الحاجة؛ فطلبة العلم يتلقون شذرات من العلوم عبر العديد من السنوات مع ضعف التركيز وقلة الجهد المبذول في طلب العلم، وقلَّ أن يكون طالب العلم ذا ذهن موسوعي يتلقى علوم الشريعة وفق منهج متكامل؛ حيث لا يكفي أن يكون عالماً باللغة غير عالم بالتفسير، أو عالماً بالحديث غير عالم بالفقه، ثم يواصل التخصص في فرع من فروع العلوم الشرعية دون أن يبني تخصصه على قاعدة موسوعية. ويضاف إلى هذا أن طالب العلم ـ الذي نرجو أن يصل إلى رتبة العالم الرباني ـ يبدأ رحلته العلمية بانشغاله بمطالب الحياة، ولا يعطي علمه الذي تعلمه الاهتمام الأكبر الغالب في شؤونه الحياتية. أما البيئة العلمية التي توفر للعالم فرص التزود من العلم وتساعده على تحقيق وظيفته، وتتوافر من خلالها حالة من تقدير عامة الناس له وشعورهم بالحاجة إليه، كما يحتاجون إلى الطبيب إذا مرضوا؛ فهذه البيئة تكاد تكون نادرة أو معدومة.

البيان: ما ملامح مشروعكم الذي يطمح إليه فضيلتكم؟

? ملامح المشروع الذي أطمح إليه أن يتم إنشاء مؤسسة لتكوين العلماء ورعايتهم يجتمع لها عدد من علماء الأمة لوضع برنامجها العلمي الذي يتم فيه اختيار عدد قليل من طلبة العلم الشرعي الجادين؛ وقد يكونون من حملة الشهادات العالية، ويتم تفريغ هؤلاء الطلبة تحت إشراف أحد العلماء الذي يتفرغ لرعايتهم وتنفيذ البرنامج العلمي المطلوب، ويقوم هذا البرنامج على شعبتين: الشعبة الأولى: يكون تلقِّي العلوم الشرعية فيها بطريقة موسوعية في اللغة والتفسير والحديث والفقه والأصول؛ إلى جانب بعض علوم العصر وإحدى اللغات الأجنبية الحية ووسائل الاتصال، ويكون هذا البرنامج عامّاً لهذه المجموعة؛ والشعبة الثانية: التخصص في علم من علوم الشريعة، وقبل هذا وبعده

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير