ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[18 - 04 - 07, 06:10 م]ـ
نقولات مختارة من كتاب: أدب الطلب للإمام محمد الشوكاني
المجموعة الثانية
11 - وبالجملة فالأسباب المانعة من الإنصاف لا تخفى على الفَطِن، وفي بعضها دقّة تحتاج إلى تيقظ وتدبر، وتتفق في كثير من الحالات لأهل العلم والفهم والإنصاف، فالمعيار الذي لا يزيغ أن يكون طالب العلم مع الدليل في جميع موارده ومصادره لا يثنيه عنه شيء، ولا يحول بينه وبينه حائل. ص143
12 - واعلم أنه كما يتسبب عن التعصب محق بركة العلم، وذهاب رونقه، وزوال ما يترتب عليه من الثواب- كذلك يترتب عليه من الفتن المفضية إلى سفك الدماء وهتك الحرم، وتمزيق الأعراض، واستحلال ما هو في عصمة الشرع ما لا يخفى على عاقل، وقد لا يخلو عصر من العصور، ولا قطر من الأقطار من وقوع ذلك. ص145
13 - ومن الأسباب المانعة من الإنصاف ما يقع من المنافسة بين المتقاربين في الفضائل، أو في الرئاسة الدينية، أو الدنيوية؛ فإنه إذا نفخ الشيطان في أنفهما، وترقَّت المنافسة بلغت إلى حد يحمل كل واحد منهما على أن يرد ما جاء به الآخر إذا تمكن من ذلك وإن كان صحيحاً جارياً على منهج الصواب.
وقد رأينا وسمعنا من هذا القبيل عجائب صنع فيها جماعة من أهل العلم صنيع أهل الطاغوت، وردوا ما جاء به بعضهم من الحق، وقابلوه بالجدال الباطل والمراء القاتل. ص173
14 - وينبغي لمن كان صادق الرغبة، قوي الفهم، ثاقب النظر، عزيز النفس، شهم الطبع، عالي الهمة، سامي الغريزة - أن لا يرضى لنفسه بالدون، ولا يقنع بما دون الغاية، ولا يقعد عن الجد والاجتهاد المُبلِّغين له إلى أعلى ما يراد، وأرفع ما يستفاد؛ فإن النفوس الأبية، والهمم العلية لا ترضى بدون الغاية في المطالب الدنيوية من جاه أو مال أو رئاسة أو صناعة أو حرفة حتى قال قائلهم:
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون ii النجوم
فطعم الموت في أمر ii حقير كطعم الموت في أمر ii عظيم
وقال آخر مشيراً إلى هذا المعنى:
إذا ما لم تكن ملكاً مطاعاً فكن عبداً لخالقه ii مطيعا
وإن لم تملك الدنيا ii جميعاً كما تهواه فاتركها ii جميعا
هما شيئان من ملك ونسك ينيلان الفتى شرفاً ii رفيعا
وقال آخر:
فإما مكاناً يضرب النجم دونه سرادقه أو باكياً ii لحمام
وقد ورد هذا المعنى كثيراً في النظم والنثر، وهو المطلب الذي تنشط إليه الهمم الشريفة، وتقبله النفوس العلية.
وإذا كان هذا شأنهم في الأمور الدنيوية التي هي سريعة الزوال، قريبة الاضمحلال- فكيف لا يكون ذلك من مطالب المتوجهين إلى ما هو أشرف مطلباً، وأعلى مكسباً، وأرفع مراداً، وأجل خطراً، وأعظم قدراً، وأعود نفعاً، وأتم فائدة.
وهي المطالب الدينية مع كون العلم أعلاها وأولاها بكل فضيلة، وأجلها وأكملها في حصول المقصود، وهو الخير الأخروي؛ فإن الله سبحانه قد قرن العلماء في كتابه بنفسه وملائكته فقال: [شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ] آل عمران:18.
وقصر الخشية له التي هي سبب الفوز لديه عليهم، فقال: [إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ] فاطر:28.
وأخبر عباده بأنه يرفع علماء أمته درجات، فقال: [يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ] المجادلة:11.
وأخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – "بأن العلماء ورثة الأنبياء".
وناهيك بهذه المزية الجليلة، والمنقبة النبيلة؛ فأكرم بنفس تطلب غاية المطالب في أشرف المكاسب، وأحبب برجل أراد من الفضائل ما لا تدانيه فضيلة، ولا تساميه منقبة، ولا تقاربه مكرمة؛ فليس بعد ما يتصوره أهل الطبقة الأولى متصور؛ فإن نالوه على الوجه الذي تصوروه، فقد ظفروا من خير العاجلة والآجلة وشرف الدنيا والآخرة بما لا يظفر به إلا من صنع صنيعهم ونال نيلهم، وبلغ مبالغهم.
وإن اخترمهم دونه مخترم، وحال بينهم وبينه حائل فقد أعذروا، وليس على من طلب جسيماً، ورام أمراً عظيماً أن منعته عنه الموانع، وصرفته عنه الصوارف من بأس، وما أحسن ما قاله الشريف الرضي الموسوي:
لابد أن أركبها ii صعبةً وقاحة تحت علام ii وقاح
أُجْهِدها أو تنثني بالردى دون الذي أملت أو ii بالنجاح
إما فتى نال المنى ii فاشتفى أو بطل ذاق الردى فاستراح
¥