(الله سبحانه وتعالى عالم بكل شيء، والدليل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} البقرة29، وقال أيضا سبحانه: {وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} آل عمران73 وقال عز وجل: {إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} النساء32.
والأدلة على سعة علم الله كثيرة في القرآن والسنة.
وباختصار شديد: ذكر صاحب الموضوع هذه الآية التي في سورة الرعد33: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ}، والسبب: أن هناك دعاة إلى الله أرادوا أن يحاجّوا كاهنا فعرض عليهم عدة أسئلة بأن إذا أجابوا عليها يسلم ومن معه لله الواحد الديّان، ومن هذه الأسئلة: ((ما هو الشيء الذي لا يعلمه الله؟)) فأجابوه بأن الشيء الذي لا يعلمه الله ((الشريك في الملك))، واستدلوا بهذه الآية التي ذكرناها بأن الشريك الذي طلب منهم الله تعالى أن يسمّوه هو الشيء الذي لا يعلمه الله، والصحيح: أن ليس معنى ذلك بأنه سبحانه لا يعلم أن هناك شريك معه، بل لأن ليس معه شريك أصلا، وإنما قال هذه الآية إنكارًا لهم وتوبيخًا على ما يعبدون من دونه؛ حتى يتفكروا فيتّبعوا الحق.
وهذه الآية بأكملها وتفسيرها ..
{أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.
فسرها الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي - رحمه الله - في كتابه (تفسير القرآن العظيم) ..
{أفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} أي: حفيظ عليم رقيب على كل نفس منفوسة، يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر، ولا يخفى عليه خافية، {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} يونس61، وقال تعالى: {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا} الأنعام59.
وقال: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} هود6، وقال: {سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} الرعد10، وقال: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} طه7.
وقال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الحديد4، أفمن هو هكذا كالأصنام التي يعبدونها لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل، ولا تملك نفعاً لأنفسها ولا لعابديها، ولا كشف ضر عنها ولا عن عابديها؟ وحذف هذا الجواب اكتفاء بدلالة السياق عليه، وهو قوله: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء} أي: عبدوها معه، من أصنام وأنداد وأوثان.
{قُلْ سَمُّوهُمْ} أي: أعلمونا بهم، واكشفوا عنهم حتى يُعرفوا، فإنهم لا حقيقة لهم؛ ولهذا قال: {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ} أي: لا وجود له؛ لأنه لو كان له وجود في الأرض لعلمها؛ لأنه لا تخفى عليه خافية.
{أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ}: قال مجاهد: بظن من القول. وقال الضحاك وقتادة: بباطل من القول، أي: إنما عبدتم هذه الأصنام بظن منكم أنها تنفع وتضر، وسميتموها آلهة، {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} النجم23. {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ}: قال مجاهد: قولهم، أي: ما هم عليه من الضلال والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار، كما قال تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ
¥