تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)) أخرجه النسائي عن أبي هريرة.

ويجب أن نعلم ـ إخوة الإيمان ـ أن هذه المساجد كما أنها أماكن لذكر الله وعبادته والتقرب إليه، فهي أماكن لتعارف المسلمين وتحابّهم وتواصلهم، يلتقون فيها على محبة الله ورسوله وعلى مرضاة الله، ويتفقد فيها بعضهم بعضا، فلها دور ديني واجتماعي وتربوي وغير ذلك من أدوار، فلا ينبغي أن يُستهان بدورها في بناء مجتمع فاضل سليم من الآفات والأمراض، وفي بناء أمة قوية عزيزة بعزة الله سبحانه؛ لهذا رغب الإسلام في بناء المساجد وحثّ على أن تؤسّس على التقوى والخير، يقول سبحانه عن أول مسجد أسّسه رسول الله: لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108]، وإذا أسّست المساجد على التقوى وعلى الخير وعلى التواضع وابتغاء مرضاة الله فإن لبانيها أو المساهم في بنائها فضلاً لا يعلم حقيقته إلا الله الذي يجزي الجزاءَ الأوفى، يقول فيما أخرجه الشيخان من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه: ((من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة)).

إنه ـ والله ـ فضل عظيم وكرامة لا توصف أن تبني أنت ـ أيها العبد الضعيف ـ بيتا لله في هذه الدنيا وعلى هذه الأرض الفانية، فتكون المكافأة أن يبني لك مالك الملك وخالق الخلق بيتا في الجنة، فما ظنك ـ يا عبد الله ـ ببيت يبنيه الله؟! وليس هذا فحسب بل إن أجر من يبني بيتا لله سبحانه أن يُجرَى له الأجر حتى بعد موته، يقول فيما صح عنه: ((سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره: من علّم علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرًا أو غرس نخلا أو بنى مسجدًا أو ورّث مصحفا أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته)) أخرجه البزار عن أنس.

هذه هي الخيرات التي ينبغي أن نحرصَ على أن نخلّفها خلفَنا إذا تركنا هذه الدار بحلوها ومرها إلى دار لا شك أننا نحتاج فيها إلى زاد من التقوى والعمل الصالح.

أسأل الله سبحانه أن يجعلنا من عمّار بيوته والمحسنين إليها والمساهمين فيها بكل خير، أقول قولي هذا، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخير خلق الله أجمعين المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها المسلمون، إنّ دور العبادة عنوان الأمم، ومقياس حضارة أي أمة هو أماكن عبادتها بغضّ النظر عن صحة أديان هذه الأمم؛ لأن العبادة أقدس شيء في حياة الإنسان، فأماكنها هي أقدس الأماكن، ولا حياة ولا رفعة لأمة لا تحترم أماكن عبادتها، فإذا كان أصحاب الأديان الباطلة يقدّسون بيعهم ومعابدَهم وكنائسهم وهم على غير الحق وعلى غير الجادة فكيف نقصر في احترام أماكن عبادتنا ونحن أتباع الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده؟! فهو القائل سبحانه: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19]، وهو القائل سبحانه وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]؛ لهذا وجب علينا أفرادا وجماعات صغارا وكبارا أن نعطي للمساجد حقها من الرعاية المادية بصيانتها والمحافظة على مرافقها وأثاثها، ومن الرعاية المعنوية بإجلالها وتقديرها وغض الأصوات فيها وتعميرها بذكر الله.

وأنا أتوجه من على هذا المنبر إلى أهل هذه القرية وأقول لهم: لقد فزتم بمسجدٍ نموذجي متكامل تصلون فيه أوقاتكم وجمعكم وأعيادكم رجالا ونساء، ويتعلم أبناؤكم فيه كتاب الله، ويكون مكانا لتعبدكم واجتماعكم، فقدروا هذه النعمة حقّ قدرها، واشكروا الله عليها، وأول شكر هذه النعمة هو المحافظة عليها وخدمتها كما تخدمون بيوتكم، بل أفضل مما تخدمون بيوتكم؛ لأنكم بخدمتكم للمسجد إنما تخدمون بيت الله الذي يقصده ضيوف الله سبحانه، وكما سخّر الله سبحانه عبادا من عباده وحبب إليهم بناء بيوت الله والإنفاق عليها ـ جزاهم الله خيرا ـ فلا بد أن يقوم كل منا بما يستطيعه في خدمة هذه البيوت والمحافظة عليها والعمل فيها بما يرضي الله سبحانه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير