لذلك أردت أن أنصح إخواني نصيحة محب مشفق، نصيحة ورب الكعبة خارجة من قلبي، لا أريد بها رضا أحد إلا ربي جل شأنه، لا أريد بها إلا أن أنقذ إخواني الغلاة من ويلات الانزلاق في أكل لحوم الناس دون وجه حق، كلنا يعلم حرمة الغيبة، وجزاء من قال لأخيه يا كافر أو يا عدو الله ..... إلخ ومع ذلك نرى تصعد هذا المد الغالي المتطرف فما أسباب ذلك؟؟ وقبل البدء أود أن أشير إلى أن حديثي منصب على المخلصين وحدهم، أما الذين لهم أهداف أخرى هم أدرى بها فلا حديث معهم، بل نكلهم إلى مولاهم عز وجل.
أسباب هذه الظاهرة
1 - تصدر الشباب في مواضعَ لا تصلح إلا للشيوخ
تجد بعض الشباب مرشدهم شاب لم يتجاوز العقد الثالث من عمره، ويفتيهم في كل كبيرة وصغيرة، يفتيهم في قضايا قد يعجز عن الإجابة عنها أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد! فيظنون أن ذلك الشاب بحر خضم زخار لا ساحل له، فيحرمون أنفسهم من الاستفادة من حكمة الشيوخ وحنكتهم، وبصيرتهم بواقع الحياة، فليس حديث السن كمن عرك الحياةَ وعركته! وما أجمل ما قاله الشيخ إبراهيم بن ضويان رحمه الله في منار السبيل (الشباب شعبة من الجنون).
2 - العقل الجمعي
قد لا يفكر الإنسان بعقله، بل يفكر بعقل غيره، وقد يكون هذا الغير:
أ - جماعة: تربى الشخص فيها عمره وحياته، وتأثر برجالاتها ومفكريها، فأصبح في كنفها، وأمسى في حضنها، فعميت عليه حقيقة لا تتبناها جماعته، وأشرب قلبه باطلا تبنته جماعته، فالقلب في غفوة، والعقل في غفلة.
والمشكلة تكمن عندما تتبنى هذه الجماعة اتجاها مغاليا في التكفير والتبديع، فيتحول الأتباع كلهم إلى غلاة وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ب - مجتمعا ما: تربى على أفكار معينة، أو مذهب معين، فظن أن كل ما خالف هذا المذهب بدعة منكرة! ولنضرب مثالين بمجتمعين هما:
* المجتمع المصري * المجتمع السعودي
فالأول هو مجتمعي والثاني مجتمع ذهبت إليه غير مرة، واحتككتُ ببعض شخصياته.
إذا نظرنا إلى هذين المجتمعين في قضية النقاب مثلا وجدنا أن المجتمع المصري - في أغلبه - يرى أن القائل بوجوب النقاب متشدد، بينما المجتمع السعودي- في أغلبه أيضا - سيرى أن القائل باستحبابه متميع - وأقصد بالمجتمع العوام دون العلماء وطلبة العلم - فقد حكم المجتمع بالتشدد أو التمييع دون أي دراية بالحكم الشرعي بل لمجرد العقل الجمعي!!
لا حرج أن يسير كل مجتمع على مذهب معين فنحن نقرأ في كتب فقهائنا (رأي الكوفيين - رأي الخراسانيين ..... إلخ) لكن الحرج يكمن في تبديع أو اتهام بغلو أو تمييع دون دراسة شرعية مؤصلة.
3 - ضعف العلم وقلته
كثير من الشباب اليوم مبلغه من العلم أن يقرأ ملصقا في مسجد، أو مطوية بربع جنيه!! وإن أسرف على نفسه فكتيب بجنيه ونصف، وهذا لا حرج فيه، فليس الكل مطالبا بالتبحر في القراءة، لكن الحرج يكمن في أن يظن قارىء هذا الملصق نفسه ملما بهذا الموضوع، فبالتالي له الحق في الإنكار أو التبديع أو التكفير - على حسب درجة المسألة - لمن خالفه.
لا بد أن أنظر إلى اختلاف الأئمة رضوان الله عليهم، لا بد أن أنظر إلى كتب القدماء، وأسبر غورها؛ حتى أعلم مواضع الاتفاق من مواضع الاختلاف!!
إذا نظرتَ في هذه الكتب العظيمة ستجد أن مئات القضايا التي كنت تنكرها بل وتبدع فيها غيرك قد قال بها أئمة عظام من سلف هذه الأمة، لكنه الجهل وما أدراك ما هو!
4 - النزعة الظاهرية التي فشت مؤخرا
إن الناظر إلى كتب سلفنا الصالح رضوان الله عليهم سيجد فيها فقها لا يباريه فقه، واستنباطا لا يدانيه استنباط، وسيعلم كل عاقل أنه لا نجاة إلا بفهم الكتاب والسنة كما فهمها هؤلاء السلف الكرام.
مع هذا كله أتى بعض العلماء وزعموا أن الكتاب والسنة فقط كافيان للأمة، وأننا بغنى عن هؤلاء الأئمة الكرام، ومن هنا جاء الزلل في الفهم، الذي دائما ما يتبعه تجريح لأئمة الإسلام، وجل من سلكوا هذا المسلك عرفت عنهم الشدة الجارحة.
وللأسف الشديد فإن هناك نزعة ظاهرية قد فشت مؤخرا فصرنا نسمع فتاوى عجيبة لم يقلها سلفنا الصالح، فهذا يبدع العُباد القائمين الذين زادوا على الركعات الثمان في القيام، , وهذا يبدع من استخدم سبحة، وهذا يبدع من ........ إلخ
¥