3 المحضرة جامعة بدوية متنقلة: ولعل هذا الأمر من أبرز سماتها المميزة لها عن غيرها من مؤسسات التعليم فنظام المحضرة نظام يكاد يكون دون نظير استنبط من واقع الحياة البدوية ومن الصعب على من لم ير المحاضر أن يتصورها ذلك أن البداوة تقترن في الذهن بالغباوة و الجهل وأن الثقافة جزء من الحضارة وقد انطبع في أذهان الناس ان العلم ربيب الحضارة و أن الإستقرار في المناطق الحضرية واستيطان المدن شرط في نمو المعارف و ازدهار الحياة الثقافية ولكن الشناقطة استطاعو أن يحققوا نهضة علمية نموذجية تحت الخيام وعلى ظهور العيس و في مجاهل الصحراء واخترعوا نظاما تعليميا مناسبا لظروف الصحراء القاسية فهي جامعات متنقلة تشتي في ارض و تصيف في أرض تتنسم عبر تجوالها عبير الحرية في رحاب الصحراء الفيحاء جامعة بين متعة العلم ومتعة السياحة فتارة يكون مقرها حين الإقامة تحت الشجرة او الخيام أو في الهواء الطلق وأثناء الترحال يكون مقرها ظهور الإبل قال العلامة المختار بن بونة -1 - مشيدا بهذه المزية:
ونحن ركب من الأشراف منتظم أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
قد اتخدنا ظهور العيس مدرسة بها نبين دين الله تبيانا
4 المحضرة لها منهج تعليمي خاص: يتميز بما يلي:
أ- أنه منهج يسير وفق ترتيب دقيق مرتبط بالكتب لا بالسنين فكلما أتم الطالب مجموعة من الكتب انتقل إلى غيرها وذلك وفق ثلاث مراحل
المرحلة الاولى: تبدأ بتعليم الحروف الأبجدية ثم حفظ القرآن ومعرفة رسمه وضبطه و تجويده بقراءة الامام نافع بروايتي قالون وورش مع دراسة متون علم التجويد كالدرر و اللوامع لابن بري وشرحه المسمى بالنجوم الطوالع ومقدمة ابن الجزري -3 -
المرحلة الثانية: وتسمى فرض العين يدرس فيها الطالب متونا في الضروري من علوم الدين مثل منظومة اعاشر و الاخضري و الأجرومية في النحو و المعلقات ليستقيم لسانه على الفصاحى تمهيدا لدراسة متون أعمق و أوسع
1 المختار بن بونة: برع في علم النحو و الكلام اخد عن المختار بن حبيب و المختار بن بابا وعنه حرمة بن عبد الجليل العلوي و محنض بابه الديماني و عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي توفي سنة 1220ه
2 أحمد بن الامين الشنقيطي إعداد المهج للاستفادة من المنهج إدارة التراث العربي الاسلامي قطر 1403
3 أحمد بن الامين الشنقيطي: المرجع السابق ص 517
المرحلة الثالثة: وهي بمثابة المرحلة الجامعية في التعليم النظامي المعاصر تدرس فيها مهمات المتون المتداولة في المنطقة ففي باب العقائد تدرس مقدمة الرسالة وعقائد السنوسي وإضاة الدجنة لأحمد المقري التلمساني وفي الفقه رسالة ابن ابي زيد و مختصر خليل وتحفة الحكام لابن عاصم و في الاصول جمع الجولمع للسبكي ومراقي السعود لسيدي عبد الله العلوي الشنقيطي والنحو الألفية وغير ذلك -1 - .
ب - يعتمد التعليم في المحضرة على الحفظ اعتمادا كليا فالشناقطة لا يعدون علما إلا ما حصل في الصدر ووعته الذاكرة متنا و معنى مدعمين هذه الفكرة بقول الامام الشافعي رحمه الله
علمي معي حيثما يممت ينفعني قلبي وعاء له لا بطن صندوق
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق
وقد أثمر هذا الأسلوب في بلاد شنقيط ونجح نجاحا باهرا وخرج فطاحل العلماء الذين أصبحوا مضرب المثل في سعة العلم وقوة الحفظ وحدة الذكاء ومما يؤثر في ذلك أن قبيلة (تجكانت) كان فيها 300 فتاة تحفظ الموطأ و ان الطفل في قبيلة (مدلش يحفظ المدونة – أضخم مرجع في الفقه المالكي – قبل سن البلوغ -3 -
ج- المحضرة تعتمد في التعليم على الصيغة التلقينية: وقد قامت الحياة العلمية الإسلامية على تلقي العلم من أفواه الرجال واستمرت على ذلك حتى بعد إنتشار المخطوطات و الكتب و الشناقطة يؤكدون كثيرا على هذا الجانب ويدعون إلى تلقي العلم من أفواه الرجال ولا يثقون في الكتب وغن اقتنوها لاحتمال الخطأ من المصنف ومن الناسخ وهم يرددون أبيات ألي حيان في هذا المجال:
يظن الغمر أن الكتب تهدي أخا فهم لإدراك العلوم
ومايدري الجهول بأن فيها غوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رمت العلوم بغير شيخ ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الامور عليك حتى تصير أضل من توما الحكيم
¥