بل كان كالفرع النادر من الأصل
ودليل هذا أولاً مهنة أبيه!
ثم سكنه في حيّ كندة وليس في حي مذحج التي إليها محتده ..
وكان المتنبي باديء أمره يمدح أشراف اليمانية
ولعله اعتزاءً بهم لأنهم قومه
وتفاخراً على غيرهم
وانظر في أوليات مدائحه تجدها في رجال من قضاعة أو بحتر أو الأزد
وكلها قبائل يمنية
ولم تكن العصبية بين اليمن وغيرهم قد قضي عليها تماماً
بل تكررت في شعره في قوله في وصف شبيب العقيلي
كأن رقاب الناس قالت لسيفه ... رفيقك قيسيٌّ وأنت يماني!
وقد قال مادحاً أحدهم وكان تنوخياً من قضاعة:
قُضاعَةُ تَعْلَمُ أنّي الفَتى الّـ .... ـذي ادّخَرَتْ لصُروفِ الزّمَانِ
وَمَجْدي يَدُلّ بَني خِنْدِفٍ ........ عَلى أنّ كُلّ كَريمٍ يَمَانِ
أنَا ابنُ اللّقاءِ أنَا ابنُ السَّخاءِ ....... أنا ابنُ الضِّرابِ أنا ابنُ الطِّعانِ
أنَا ابنُ الفَيافي أنَا ابنُ القَوافي ........ أنَا ابنُ السُّروجِ أنَا ابنُ الرِّعانِ
طَويلُ النِّجادِ طَوِيلُ العِمادِ ...... طَويلُ القَناةِ طَويلُ السِّنانِ
حَديدُ اللّحاظِ حَديدُ الحِفاظِ ....... حَديدُ الحُسامِ حَديدُ الجَنَانِ
يُسابِقُ سَيْفي مَنَايَا العِبادِ ..... إلَيْهِمْ كأنّهُمَا في رِهَانِ
يَرَى حَدُّهُ غامِضاتِ القُلُوبِ ...... إذا كنتُ في هَبْوَةٍ لا أرَاني
سَأجْعَلُهُ حَكَماً في النّفُوسِ ....... وَلَوْ نَابَ عَنْهُ لِساني كَفاني
وأكاد أجزم أن المتنبي ضحك على عقل هذا الطالب المدح
فكان المدح في حقيقته له لا لهذا التنوخي:)
ولاحظوا أن هذه الروح لم تفارق المتنبي حتى قوله:
فالخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم
صحبت في الفلوات الوحش منفرداً ... حتى تعجب مني القور والأكمُ
لكن يئس المتنبي من هذا كله
فاستبدل سُلّم العصبية التي سملت وخَلقت
بسلالم أخرى
لم ينشب أن يرتقي في أحدها حتى تتكسر درجاتها!
إذن هي طبيعة في نفسه وعشق كامن في ذاته للأهوال وأخبار الفرسان والمغاوير الأبطال ..
واختراق لجج المعارك والنفاذ من خرت المهالك ..
وأكرر التنشئة البدوية ساهمت في هذا كثيراً
فقبائل كلاب الضاربة بين الشام والعراق
كانت قبائل غير منضبطة بطاعة أو منتميةٍ لولاء
وكثيراً ما كانت غاراتها تصل القرى والمدن
فتقتل وتخرب وتدرك ثأرها
وكل هذا على مرأيً ومسمعٍ من المتنبي
فنشأ على لِبانهم:) 2
حتى لقي حتفه بلسانه على سيف قاطع طريق
ويبقى الحديث عن المتنبي في صدر مجالس الأدباء
مرحبا بك أبا الهذيل
موافقتك إياي تزيدني وثوقا.
وأعتقد أن المتنبي لم يتأثر بالعصبيات الكائنة في ذلك الوقت، فقد كان يرى نفسه متعلقة بأكبر من هذا الذي أشغل الناس، يقول بعد أن بلغه كلاما قيل فيه:
تحقر عندي همتي كل مطلب ... ويقصر في عيني المدى المتطاول
وتاريخ المتنبي كالجبل الأشم تراه واضحا جبلا، إلا أن فيه تفاصيل دقيقة، لا تتبينها إلا أن تقربها، والاقتراب منه محفوف بالحاسدين والكذابين والأخبار المغرضة، وأيضا بالمتعصبين له والمدافعين عنه.
ـ[راعي العليا]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 05:31 م]ـ
الأخ عامر مشيش .. جزيت خيراً على هذا التفصيل الوافي .. وشكرا لك أخي رؤبة بن العجاج على مرورك الكريم ..
الأستاذ حسنين مهدي .. لعلي لم أطلع عليها .. سأعيد قراءتها بإذن الله
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 05:55 م]ـ
نسيت أن أشير إلى أن الأبيات التي ذكرتَ ـ أخي رؤبة ـ إنما قالها المتنبي على لسان ذلك التنوخي بعدما سأل المتنبي ذلك.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 05:56 م]ـ
الأخ عامر مشيش .. جزيت خيراً على هذا التفصيل الوافي .. وشكرا لك أخي رؤبة بن العجاج على مرورك الكريم ..
الأستاذ حسنين مهدي .. لعلي لم أطلع عليها .. سأعيد قراءتها بإذن الله
وجزيت خيرا
ونود أن نتعرف رأيك.
ـ[الخلوفي]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 11:49 م]ـ
بارك الله في الجميع اثريتم النافذة
ـ[راعي العليا]ــــــــ[22 - 11 - 2010, 11:27 م]ـ
مممم .. أوافقك في كون المتنبي جبلا أشم ترفع في أحلامه عن كل ما هو دان .. إلا أني لم أره مبتعداً عن أحداث عصره، فلا أظنه حين يقول:
وَإِنَّما الناسُ بِالمُلوكِ وَما ... تُفلِحُ عُربٌ مُلوكُها عَجَمُ
لا أَدَبٌ عِندَهُم وَلا حَسَبٌ ... وَلا عُهودٌ لَهُم وَلا ذِمَمُ
بِكُلِّ أَرضٍ وَطِئتُها أُمَمٌ ... تُرعى لِعَبدٍ كَأَنَّها غَنَمُ
يَستَخشِنُ الخَزَّ حينَ يَلمُسُهُ ... وَكانَ يُبرى بِظُفرِهِ القَلَمُ
لم يلتفت إلى الشعوبية مثلا، بل أراد أن ينال منها، بعد أن رأها تنال من العروبة، فذاك الإباء الذي يحمله المتنبي بين جوانحه، وتلك النفس العربية، تأبى لمثل هؤلاء أن يحكمونهم، وإن كان مجرد نيل من الأمراء والأغنياء فلمَ يذكر الأعراب والعجم؟ ولذلك كنا نجده في مدحه يغدق على الممدوح صفات الرجولة والعزة والإباء، وكأنه يرسم في ذلك صورة للأمير الذي في مخيلته، وذلك يفسر عدم مدحه لخلفاء بغداد، وكان انتقائيا في مدحه فكما أسلفت أنه كان يتخذ أحيانا من الممدوح جسرا ليفخر بذاته، وأيضا نجده لم يمدح أحدا كسيف الدولة وبدر بن عمار، فوجد فيهما المنقذ لعصره الذي يفتقد رجلاً عربياً أبياً، فنراه يصف بدر ويصف الحرب -التي طالما هفت إليها نفس أبي الطيب منذ صباه -الثورة- وصفاً دقيقاً رائعاً، وهذا المديح الذي تحدثنا عنه سابقاً ما هو إلا تلك الصورة التي يريد أن يرسمها أبو الطيب للرجولة، فيقول:
يَكادُ مِنْ طاعَةِ الحِمامِ لَهُ** يَقْتُلُ من مَا دَنَا لَهُ الأجَلُ
يَكادُ مِنْ صِحّةِ العَزيمَةِمَا** يَفْعَلُ قَبْلَ الفِعالِ يَنْفَعِلُ
تُعْرَفُ في عَيْنِهِ حَقائِقُهُ **كأنّهُ بالذّكاءِمُكْتَحِلُ
أُشْفِقُ عِندَ اتّقادِفِكرَتِهِ **عَلَيْهِ مِنها أخافُ يَشْتَعِلُ
أغَرُّ، أعْداؤهُ إذاسَلِمُوا **بالهَرَبِ استَكبَرُوا الذي فَعَلُوا
يُقْبِلُهُمْ وَجْهَ كُل ّسابحَةٍ **أرْبَعُها قَبلَ طَرْفِها تَصِلُ