دفاعٌ عن نسَب أبي الطَّيِّب المتنبي
ـ[حسنين سلمان مهدي]ــــــــ[11 - 10 - 2010, 09:24 م]ـ
قبل ثمانية عقودٍ من الزمن نَبَغ كتابٌ فذٌّ لكاتبٍ فذٍّ يتناوَل سيرةَ شاعرٍ فذٍّ: (المتنبي) لأبي فِهرٍ محمود محمد شاكر.
وكان لهذا الكتاب دوره الرائد في تأسيس طريقةٍ مبتكرةٍ للنقد في حياتنا الثقافية منذ صدوره وحتى لحظة قراءة هذه السطور!
وقد أثار فيه الدارِسُ بعبقريته الموازية لعبقرية مدروسِه كثيراً من المباحث الرائقة؛ أدَّت إلى ترك دويٍّ في الوسط الأدبي العربي من الخليج إلى المحيط.
وكان في ضمن ما تناولَه أبو فهر في طيات كتابه موضوع التحقيق في نَسَب أبي الطيِّب.
وقد توصَّل بحسب ما ارتأى من ومَضات الأدلَّة الثبوتية لديه أنَّ الرجلَ كان علويَّ النسب، وأنه كان يُخفي ذلك النسب لسبب ما!
وقد فتح هذا الاستنتاج أبوابًا مشرَعةً لكل صاهلٍ وشاحجٍ؛ فمنهم مَن اتَّكأ على ذلك ليُعلِنَ أبا الطيِّب إمامًا ثالثَ عشر (بصفته ابنًا للإمام الغائب المنتظر / عند صاحب هذا الإعلان)، ومنهم مَن استغَلَّ ذلك ثغرةً ليطعَن في نسَب أبي الطيِّب زانًّا إيَّاه بأنه كان ابنًا غيرَ شرعيِّ الماء!
واستدارت الرحى بهذا الطحن المستعار الدقيق!
وأنا إذ أُكبِرُ أبا فهرٍ (فقد كان وما زال وسيظل أحَد أبهى المنارات الفكرية المشعَّة بالعافية الثقافية على أبناء جيله والأجيال اللاحقة) في سلاسة بحثه ودقة نظره وجزالة أسلوبه (ولا ريبَ) إلَّا أنِّي أخالِفُه الرأيَ في ذلك القول؛ بانيًا مخالَفتي على أساس علميٍّ استُمدَّت مادَّته من كلام أبي فهر نفسه!
تعلَّمت من أبي فهر في (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) أنَّ البحثَ لا يمكن أن تتَّضح صورتُه في ذهن الباحث إلَّا باستكمال جمع جزئياته كلِّها ...
والغريبُ أنَّ أبا فهرٍ لم يستكمل جمع جزئيات موضوع النسب عند أبي الطيب وقتَ كتابته لموضوعة النسب؛ فوقع في تشوُّش الصورة وضبابية الرؤية لحقيقة ذلك الأمر الكبير الذي كان أبو الطيِّب المتنبي يدير دائرة الصراع حولَه طيلةَ أيام حياته!
فما هي تلكَ الجزئية الجوهرية (!!) التي سقطت سهوًا من نِظام عقد بحث أبي فهرٍ فنثرت حَبَّ استنتاجِه في باحة البحث الدقيق؟
يتبع ...
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[12 - 10 - 2010, 11:53 ص]ـ
بارك الله فيك أستاذي حسنين
لا شك أن كتاب "المتنبي" لأبي فهر مثّل منهجا مستقلا، وما زالت تلك الافتراضيات أشبه بالواقعية حتى يثبت لنا واقع آخر يستند على أدلة متينة.
ولقد اخترتَ مبحثا هو من أحكم ما في الكتاب من مباحث، لأن نسب أبي الطيب وقع عليه (تعتيم إعلامي) بدليل أن رجلا بحجم أبي الطيب، ووسط العرب المهتمة بالأنساب؛ ينبغي ألا يبقى نسبه إلى الآن مدارا للنقاش! فما السبب الذي جعل نسب رجل كأبي الطيب محل أخذ ورد؟ ومن الذي ألقى الظلام على هذا الجانب من شخصية المتنبي؟
وكتاب أبي فهر قائم على افتراضيات، ومفترضها بشر يصيب ويخطئ، وهذا ما يتيح لمن استطاع مراجعته ومناقشته ورده.
ننتظر ما تتحفنا به خاصة وأنه سيكون من مادة ومائدة أبي فهر.
تقبل تحياتي.
ـ[الباز]ــــــــ[12 - 10 - 2010, 12:29 م]ـ
جزاك الله خيرا
يظهر أنني سأكون من المتابعين لموضوعك الشيق هذا
عرض موفق ومناقشة علمية رضينة للأفكار و الروايات
وقد توصَّل بحسب ما ارتأى من ومَضات الأدلَّة الثبوتية لديه
أنَّ الرجلَ كان علويَّ النسب، وأنه كان يُخفي ذلك النسب لسبب ما
ولماذا يخفي نسبه العلوي وهو ينعم بالأمن والرخاء
و التكريم في بلاط سيف الدولة؟؟
وإن أردت فهم ما أرمي إليه فراجع الشافية لأبي فراس -ابن عم سيف الدولة ومعاصر المتنبي- التي قالها
ردا على محمد بن سكرة الذي افتخر على الطالبيين.
ـ[حسنين سلمان مهدي]ــــــــ[12 - 10 - 2010, 07:27 م]ـ
شكراً جزيلاً لكل من اهتمَّ بهذا الموضوع.
وكما يقول الشاعر: (اللُّهَى تَفتَحُ اللَّهَا)!
ـ[حسنين سلمان مهدي]ــــــــ[12 - 10 - 2010, 08:12 م]ـ
هناك نقطة محورية في فنِّ كتابة التراجم، لا أظنها تخفى على أصغر متعاطٍ لهذا النوع من الفنون؛ ألا وهي دراسة عصر المترجَم له دراسةً تفصيليةً تمكِّن الباحثَ من معرفة الجذور التي ترعرعت على خلاصة مادَّتها شجرة المجتمع الذي أنتج تلك الثمرة التي ندعوها (الشخصية)!
فالإنسان عمومًا والمبدِع خصوصًا ما هو إلَّا كتلةٌ منفَعِلَة بمحيطها متفاعلةٌ معه إمَّا سَلبًا وإمَّا إيجابًا!
وكما أنَّ الجينات الفسيولوجية تشكِّل ملامحَ الشخصية الفيزياوية، فإنَّ الجينات الثقافية (رحيق المجتمع) تشكِّل أبعاد الشخصية فكريًّا وسلوكيًّا؛ بمعنى أنَّ التكوين الظاهر لكل إنسان رهنٌ بموروثاته العائلية (حليب الأجداد = الغذاء العامُّ)، أمَّا التركيب الباطن له فهو رهن بمكتسباته الشخصية (فاكهة التميُّز = الانتقاء المسؤول)!
بالتالي فإنَّ كثيرًا من الإشكالات التي تواجه الباحث في سيرة حياة مبحوثه لا يمكن أن تُحَلَّ إلَّا بمعرفة الأفكار والأعراف والتقاليد التي كانت منتشرةً في عصره وفي بلدة نشأته تحديدًا، هذه المجموعة من المؤثرات التي كان العلَّامة المُعَلِّمي اليماني رحمه الله يسمِّيها (العُرف الخَفيّ)!
فما هو العُرفُ الخفيُّ الذي كان متغلغلاً في جذور شخصية أبي الطَّيِّب المتنبي؟
وما هي تلك الأفكار (ربما تكون فكرة وحيدة لكنها متشعِّبة الأغصان) التي رَسَخت في ذهن ذلك المخلوق الفذِّ؛ فرَسَّخته في تاريخ الأمة ثائرًا (ولا أقول شاعرًا) كبيرًا؟
يتبع ...
¥