تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[آخر الأغاني والمقاتل]

ـ[منتظر حسن علي]ــــــــ[15 - 12 - 2010, 08:23 م]ـ

يتطلب تأليف كتاب ما جهدا ليس بالقليل إذ كثيرا ما يعاني المؤلف صعوبات بالغة تتعلق بجمع المادة ولمّ شتاتها ومن ثم إيجاد وشائج تنتظمها في أبواب , والأهم من ذلك الرؤية التي يصدر عنها المؤلف إزاء موضوعه فهي المحرك والباعث في عملية التصدي لوضع المدوّنات.

وهذه الأمور مجتمعة تجعل من الشعور باللذة , لذة الانجاز_ حال الانتهاء, أمرًا منطقيًا, تلوح بوادرُه بمجرد الشروع في وضع اللمسات الأخيرة ....

هذا ما رافق أبا الفرج الأصفهاني وهو يودع أغانيه أخرَ شخصية (الشاعر المتلمّس) , ويضمّن مقاتله آخرَ الطالبيّين (طاهر بن يحيى) ....

فما الذي يجمع بين الشخصيتين؟ بين الهزل والجد؟ بين فنون الطرب وفنون القتل؟ الطرب على طريقة الموصلي ... أو مخارق ... أو علويه ... والقتل: بالسيف ... أو بالسم ... أو بالحبس ...

وما الجامع بين الذائقتين: الثقافية والسياسية؟ الذائقة التي تحسّست في هؤلاء الطرب .... وفي هؤلاء القتل ....

فالأغاني: مجموعة الأشعار التي اُختيرت للرشيد , والمقاتل: ثلة ممن ينتسبون إلى أبي طالب أزهقتم الذائقة السياسية ....

فالأولى تروق المتلقي ويشدو بها ... والثانية تثير سخطه على الدولتين الأموية والعباسية ...

إذا كان طاهر بن يحيى قد حظي بترتيب مقصود جعله آخر من تُرجم له في المقاتل ,إذ قُتل أيام المقتدر العباسي , فإن الشاعر المتلمس أُودع هذا المكان بحكم إهمال أبي الفرج لمعياري الزمان والطبقة في تصنيف أغانيه, فبدأها بالمختارات التي انتُقيت للرشيد, فكان أبو قطيفة أولاً , فعمر بن أبي ربيعة , فنصيب , وهكذا ....

جرير بن عبد المسيح المتلمس كان زبدة المخاض لأبي الفرج الشاب الشغوف بمجالس بغداد ولهوها ونوادي خلفائها التي تعجُ بالغناء والشعر وما لذ وطاب .... أما طاهر بن يحيى فزبدة المخاض لكهل حثّه اعتقاده بما ألزمه من هوى بالطالبيين إلى أن ينزع السلطة السياسية جلبابها ويزيل الإمارة بالمؤمنين عنها ....

ولعل النصَب الذي ألَمَّ بأبي الفرج الأصفهاني وهو يحتفي بآخر شخصية في أغانيه هوّن ما ألم به مع طاهر بن يحيى آخر رجال المقاتل, إذ لم تكن مدة التأليف مع الأخير قد طالت كما هي عليه مع الأول , فلم تتعد حولاً واحدًا في المقاتل بحسب ما أرّخ في مقدمة الكتاب وخاتمته وذلك في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة للهجرة , وهذا ما فقدناه مع المتلمس حين امتدَّ تأليف الأغاني إلى أكثر من أربعة عقود كما قيل ....

والتشابه ماض بين الشخصيتين إلى أبعد ممّا يُظن, وذلك في أن كليهما كان أقل حظاً مما جاد به أبو الفرج إذا ما قورنا بشخوص الكتابين, فقد كان التدرج واضحًا من الشخوص الأكثر أحداثا وروايات وأخبارًا إلى الأقل فالأقل ... فلم ينل المتلمس الشاعر الجاهلي وصاحب الديوان سوى ثلاثة أبيات , أحدها:

فهذا أوان العرض جن ذبابه زنابيره والأزرق المتلمس

ولو لم يكن هذا البيت سببًا في تغليب لقبه عليه لما ذكره أبو الفرج ...

أما طاهر بن يحيى بن الحسن , فلم يزد على نسبه وأنه ((كان سيدًا فاضلا ..... )) قُتل بسم دسّه إليه صاحب الصلاة بالمدينة فقتله.

ومهما يكن من حاليهما ونزر أخبارهما فقد مثلّ المتلمس وطاهر بن يحيى شمولية الرؤية لوظيفة الأدب والتأريخ لدى الأصفهاني وتداخلهما في منظومة تتسع لثقافة أمة بأكملها بما تنطوي عليه من ذاكرة جمعية ممكن أن تُختزل دلالتها في (المتلمس) أو في (طاهر بن يحيى) أو في غيرهما من مئات الشخوص التي سكبها أبو الفرج في مدونتيه هاتين ....

المتلمس ... طاهر بن يحيى ... كلاهما مارسا نوعًا خاصًا من الإشكالية فيما يخصّ الأصفهاني فهما مثالان لهمّ الكتابة ونصَب التأليف.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير