تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التقديم لقصيدة أبي الطيب "أرق على أرق" (للمسابقة)]

ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[16 - 10 - 2010, 04:29 م]ـ

أولا: الأبيات:

أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ ... وَجَوًى يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ

جَهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أُرى ... عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ

ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ **** إِلا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ

جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي ... نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ

وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ ... فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ

أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ**** أَبَدًا غُرابُ البَينِ فيها يَنعَق

نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ ... جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا

وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ ... وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ

وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ ... وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ

وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي ** مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ

حَذَرًا عَلَيهِ قَبلَ يَومِ فِراقِهِ**** حَتّى لَكِدتُ بِماءِ جَفنِيَ أَشرَقُ

أَمّا بَنو أَوسِ بنِ مَعنِ بنِ الرِضا ** فَأَعَزُّ مَن تُحدى إِلَيهِ الأَينُقُ

كَبَّرتُ حَولَ دِيارِهِم لَمّا بَدَت ... مِنها الشُموسُ وَلَيسَ فيها المَشرِقُ

وَعَجِبتُ مِن أَرضٍ سَحابُ أَكُفِّهِمْ** مِن فَوقِها وَصُخورُها لا تورِقُ

وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ**** لَهُمُ بِكُلِّ مَكانَةٍ تُستَنشَقُ

ثانيا: التقديم

وقف أبو الطيب المتنبي في حضرة أبي المنتصر شجاع بن محمد الأزدي، وامتدحه بالأبيات التي بين أيدينا.

وقبيل الولوج إلى النص هناك أمر ينبغي الوقوف عنده، وهو السن التي قال فيها أبو الطيب هذه الأبيات، تذكر الروايات إنه قالها صبيا وهذا يعطي الأبيات قيمة إضافية، فقوة المعاني ونصاعة البيان وجودة السبك على حداثة سنه وقلة التجربة نقطة قوة تسجل في صفيحة أبي الطيب.

إن الشعر وإن كان جبلة و موهبة يرزقها الباري من يشاء من عباده،فإن طول التجربةوتراكم الأحداث للشاعر بمثابة الصقل للسيف، فمن الشعراء من يبتدأ راجزا وحاديا ثم يتدرج في سلم الشعر حتى يتمكن منه، ومنهم من لم ينبغ حتى سن متأخرة من حياته، ولكنَّ شاعرنا آثر أن يكون حساما صقيلا مذ تفتقت قريحته على القريض.

وبالعودة إلى الأبيات التي بين أيدينا لا بد من الوقوف على جملة من الأمور:

1. بناء القصيدة وبروز شخصية الشاعر:

الأبيات قيلت في مقام المديح كما أسلفت، ولكنَّ أبا الطيب تناول النسيب افتتاحا وعرج على الحكمة ثم فرغ إلى المديح،

والناظر المتمعن يدرك سريعا أن الرجل أجاد في الأغراض الثلاثة، فافتح بالنسيب جريا على سنة العرب وبما يسمح المقام، فجاء بأبيات غاية في الرقة والعذوبة تنساب كما ينساب الماء الزلال على الصفواء:

جَرَّبتُ من نارِ الهوى ما تنطفي ...... نارُ الغضى وتكلُّ عمّا تُحرِق ُ

وعذلتُ أهلَ العشقِ حتى ذُقتُهُ ....... فَعَجِبتُ كيفَ يَموتُ منْ لا يعشقُ

وهنا لا بدَّ أن أقف على المطلع، فالمطلع للقصيد بمثابة العنوان:

أَرَقٌ على أَرَقٍ وَ مثلي يأرَقُ ....... وَجَوًى يَزيدُ وَ عَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ

يزعم الشرّاح أن أرق أبي الطيب وحزنه وعبرته بسبب العشق الذي صرَّحَ به في الأبيات التالية.

الجرس القوي والرنّان لصوت القاف -الدال على القلق والاضطراب - إنما يعكس جوًى تمكَّن من نفس الفتى الذي لقي ما لاقاه من أرزاء عصفت به مذ نعومة أظفاره.

والشاعر الحق من كان شعره مرآة نفسه، وإلا فهو ناظم ليس أكثر، وأبو الطيب شاعر مطبوع يقرض الشعر سجية، في أشعاره بروز وصدق في المشاعر لا سيما في افتتاحياته وميله إلى الحكمة.

فالفتى ذو الهمة العالية والنفس الأبية الذي عشق العلا كما تعشق الحسان قد أشجاه وأعياه معاندة الدنيا له فتسرب اليأس إلى نفسه وهو صبي، وهذا سر نزوعه إلى الحكمة في أكثر قصائده.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير