[ألا كل آت قريب المدى]
ـ[حلم الجنوب]ــــــــ[04 - 12 - 2010, 09:40 م]ـ
:::
هو أبو القاسم محمد بن هاني الأزدي الأندلسي. كان أبوه هاني من قرية المهدية في إفريقية، ويقول ابن خلكان «أنّه كان شاعراً أديباً» فانتقل إلى الأندلس فولد له محمد في قرية سكون من قرى إشبيلية.
نشأ شاعرنا في إشبيلية على حفظ وافر من الأدب ومهر في الشعر. ويقول ابن الأبّار «إن أكثر تأدبّه كان في دار العلم في قرطبة» ثم استوطن إلبيرة فعرف بالشاعر الإلبيري.
كان حافظاً لأشعار العرب وأخبارهم، فحفلت قصائده بكثير من الإشارات إلى وقائع العرب، وبذكر شعرائهم وساداتهم وأجوادهم، والأماكن التي ذكرها شعراء العرب الأقدمون.
اتصل في أول عهده بصاحب إشبيلية ومدحه وحظي عنده، غير أن استهتاره بالملذات وغلوّه في تشيّعه، واعتقاد إمامة الفاطميين وسلوكه مسلك المعرّي، وتجرّده من الدين جعل الإشبيليين ينقمون عليه، حتى همّوا بقتله، ويسيئون المقالة في حقّ الملك بسببه، فأشار عليه الملك بالغيبة عن المدينة لينسى خبره، فخرج إلى عُدوة المغرب، وكان له من العمر، يومئذ، سبع وعشرون سنة.
ثم قصد جعفر بن علي المعروف بابن الأندلسية، وكان هذا وأخوه يحيى واليَمين في المَسيلة، إحدى مدن الزاب، فمدحهما وبالغا في إكرامه.
وما لبث أن عرف به المعزّ لدين الله العبيدي الفاطمي، فطلبه منهما فوجّهاه إليه فأعزّ وفادته، وامتدحه ابن هاني وغالى في مدحه، وسلّم عليه بالخلافة، ومدح قائده جوهراً.
ولما توجّه المعزّ إلى مصر، بعد أن فتحها جوهر، شيّعه ابن هاني، ورجع إلى المغرب، فتجهّز، ثم التحق به حاملاً معه عياله، ولما وصل إلى برقة أضافه أهلها في داره فأقام عنده أياماً في مجلس الأنس؛ فقال: إنّه عربد عليهم فقتلوه؛ وقيل: إنّه خرج من تلك الدار سكران، فنام في الطريق فأصبح ميتاً، ولم يعرف سبب موته. على أنّ لسان الدين بن الخطيب يقول: إنّه سكر ونام عرياناً، وكان البرد شديداً، ففلج.
وثمة رواية أخرى تزعم: أنّه وجد في سانية أي ساقية أو ناعورة، من سواني برقة مخنوقاً بتكّة سراويله.
وكيف كان الأمر فإنّه مات ولم يتجاوز السادسة والثلاثين. وقد يكون لبني أميّة يد في مقتله لأنه كان يقذعهم في هجائه لهم، ويؤلمهم في أعراضهم، كما كان يهجو العباسين لضعفهم وانصرافهم إلى الملذات، وقعودهم عن نصرة الدين، وتسلط الروم على بلادهم.
ولمّا بلغ المعزَّ، وهو في مصر، خبر مقتله تأسف عليه كثيراً، وقال: «لا حول ولا قوة إلا بالله! هذا الرجل كنّا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق، فلم يقدِّر لنا ذلك». كان ابن هاني يلقّب بمثني الغرب، قال عنه ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء: «أبو القاسم الأزدي الأندلسي أديب شاعر مفلق، أشعر المتقدمين والمتأخرين من المغاربة، وهو عندهم كالمتنبي عند أهل الشرق».
وقال ابن خلّكان عند ذكره ديوانه: «وليس في المغاربة من هو في طبقته لا من متقدّميهم ولا من متأخريهم بل هو أشعرهم على الإطلاق، وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة وكانا متعاصرين ... ولولا ما فيه (أي ديوانه) من الغلوّ في المدح والإفراط المفضي إلى الكفر، لكان ديوانه من أحسن الدواوين».
كان ابن هاني معجباً بالمتنبي، ولكنه أنكر عليه النبوّة، وكان مثله «يفرط في المغالاة حتى يجاوز الحقائق المعقولة في الدنيا» وهو مثله يتغزّل بالبدويات الحسان، غزلاً ضعيف العاطفة. ولا تظهر في شعره إلا عاطفته الدينية، وخصوصاً الشيعية الإمامية، فهي تحتدم في مدحه حتى ليتضاءل عمل العقل معها، فإذا هو يغالي مغالاة مستنكرة، فيحمله اعتقاده بالحلولية على أن يجعل المعزّ «إلهاً» ويسوقه غلوّه إلى أن يجعل شسع نعل أبي الفرج الشيباني «عدنان وما ولدت».
وكان ابن هاني يُعنى باللفظ أكثر من عنايته بالمعنى، فيعتمد الألفاظ الكثيرة الجلبة والقعقعة وهذا ما جعل أبا العلاء المعرّي يقول حين سمع شعره: «وما أشبهه إلا برحى تطحن فروناً لأجل القعقعة في ألفاظه» يزعم بذلك، على حدّ قول ابن خلكان: أن لا طائل تحت تلك الألفاظ.
¥