ولذا فإني أمام أولئك الأسفار التي بعثها شيخو لفي ريب بالغ من كل ما خرج من بين أصابعه،
مما له علاقة بإرثنا الإسلامي والعربي، وأدعو من على هذا المنبر بني أمتي على إعادة ما نشره لويس شيخو وإخوانه الآباء اليسوعيون من تراثنا،
ومقابلته على أصوله الصحيحة الأولى، فإن هؤلاء قوم لا يوثق بنقلهم، لتلاعبهم وتعصبهم وتحريفهم. كما يقول الشيخ العلامة أحمد شاكر. رحمه الله
(انظر تحقيقه لكتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة 2/ 791)
وأجيئك الآن بشاهد يعزز لك ريبي ذاك في لويس شيخو وأعماله، وهو ما أفادنا به الأستاذ الكبير الدكتور شكري فيصل في مقدمة تحقيقه الجليل لديوان أبي العتاهية،
فلقد دهش الدكتور شكري حقا وصدقا حين قابل بين صفحات معدودات من أصول الديوان الخطية، وبين ما أخرجه لويس شيخو باسم " الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية "
لقد رأى الدكتور شكري فيصل في عمل شيخو مسخا وطمسا وحذفا وتحريفا متعمدا جاوز كل حدود التعصب والتلاعب.
وفعلات شيخو في الديوان "مست كل ما يتصل بألفاظ القرآن وتعابيره، وكل ما يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم ورسالته،
وكل ما يتصل بمفاهيم الإسلام من الوحدانية والنشور والآخرة" (انظر أبو العتاهية أشعاره وأخباره 13)
فألفاظ التوحيد في ديوان أبي العتاهية تحولت في نشرة شيخو إلى ما يوافق عقيدة النصارى، فعبارة " لا شريك له " جاءت " لا مثيل له " في قول أبي العتاهية:
فحسبي الله لا شريك له ....
وتعبير " لست والدا " يؤول إلى " لست محدثا " في بيت أبي العتاهية:
شهدنا لك اللهم أن لست محدثا **** ولكنك المولى ولست بمولود
والشطر " هو الذي لم يولد ولم يلد " يؤول على حساب المعنى والوزن إلى " فهو الذي به رجائي وسندي "
والأب لويس شيخو لا يطيق أبدا أن يرى اسم "محمد" الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في شعر أبي العتاهية،
ولهذا فهو يحرف هذا الإسم ما وجده، حتى لو تغير البيت كله، ودونك بيت أبي العتاهية المشهور:
وإذا ذكرت محمدا ومصابه **** فاذكر مصابك بالنبي محمد
جعله شيخو:
وإذا ذكرت العابدين وذلهم **** فاجعل ملاذك بالإله الأوحد
وإذا مر شيخو بعبارات " رسول الله " أو " نبي الله " أو " مرسل " بادر إلى تغييرها بما يوافق هواه،
فإن أعوزته الحيلة وضاق به سبيل التحريف حذف البيت كاملا، من نحو قول أبي العتاهية:
وهو الذي بعث النبي محمدا **** صلى الإله على النبي المصطفى
فإنك لا تجد هذا البيت في " الأنوار الزاهية " وقد يطوي الأبيات ذوات العدد ويبعدها إبعادا.
وفي ختام عرضه لعمل شيخو في " ديوان أبي العتاهية " أهاب الدكتور شكري فيصل بالمهتمين والعاملين في حقل الدراسات الأدبية من المسلمين
أينما كانوا أن يبادروا استنقاذا لسمعة تراثهم أن يكون من بين الذين يعملون فيه من تهون عليهم كل القيم العلمية والأخلاقية،
يدوسونها من غير رادع ثم لا يتورعون، من أمثال لويس شيخو وأضرابه. (انظر أبو العتاهية أشعاره وأخباره 13)
ولقد كنت في زمن الصبا معجبا بكتاب " مجاني الأدب في حدائق العرب" لشيخو مكبا على قراءته، وهو اختيارات أدبية مبوبة من الشعر والنثر،
منتخبة من عصور الأدب المختلفة وجاء في ستة أجزاء، وما زال الكتاب يقع مني موقع الرضا، إلى عهد غير بعيد،
حتى وقفت على إشارة متينة من العلامة أحمد تيمور رحمه الله في إحدى حواشيه على كتاب " الآثار النبوية " ص 10 يشتكي فيها من صينع لويس شيخو
حيث أورد في كتابه " المجاني " قصيدة للبحتري فيها ذكر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وشيء من مآثره، ولكن لويس شيخو حرف وبدل واحتال
حتى أسقط اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما يشير إليه من قريب أو بعيد، وهذه اللفتة الذكية من أحمد تيمور دليل على فساد الكتاب كله، وأنه غير بريء.
فلينتبه لذلك من يصفون هذا الكتاب للناشئة.
وإذا كانت تلك قصة الأب لويس اليسوعي مع تراث المسلمين فإن عنده ما هو أدهى من ذلك وأطم،
ألا وهو صولاته وجولاته الخاسرة مع كتاب المسلمين المقدس " القرآن " فإنه كان يرشقه بسهامه الكائدة الماكرة على البعد،
من مثل قوله في مجلته " المشرق " (وهذه المجلة تحتاج على حديث خاص) قال حين طبع كتاب " الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز "
ليحيى العلوي: سعت دار الكتب الخديوية بنشر كتاب الطراز .. طبعته المقتطف .. غايته إثبات إعجاز القرآن،
وإنما يشتمل على إفادات لغوية جمة، وملحوظات أدبية دقيقة. (انظر كلامه في المشرق السنة الثامنة عشرة ص 487 1920 487 1920م)
لاحظ قوله: وإنما يشتمل على إفادات لغوية ... أي إنما في القرآن من الإعجاز لا يعدو أن يكون مجرد إفادات لغوية، وملحوظات أدبية.
ويظهر أخيرا أن شيخو لم يستطع كظم غيظه ولا حقده على القرآن، فحشد كل طاقته وجمع كل قواه، وأعانه على كيده قوم آخرون، فأخرج رسالة دعاها " خرافات
القرآن " وترجمت إلى غير لغة لينتفع بها أعداء الإسلام ودعاة التنصير في العالم.
(انظر مجلة المنار المجلد السابع عشر ص 146 ومقدمات العلوم والمناهج لأنور الجندي 1/ 297)
ولكن هيهات فقد ذهبت رسالة شيخو أدراج الرياح كما ذهب هو، ولم يبق من رسالته إلا أنها شهدت بالفضيحة والخزي على هذا الرجل وقومه،
وسجلت عجزهم عن أن ينالوا من القرآن شيئا، كما عجز أسلافهم من قبل.
وبذا يظهر لنا معشر المسلمين بجلاء لا خفاء به، أن كتاب الله تعالى القرآن حصن منيع تتهاوى عنده مكايد الأعداء والمارقين على مر الأيام،
وصدق رب العزة سبحانه حيث يقول " إنّا نحن نزّلنا الذّكر و إنّا له لحافظون " (سورة الحِجر آية 9)
وبعد فهذه إلماعة عن لويس شيخو اليسوعي، أرجو أن تكون مفصحة عن حالة، وعسى أن تتاح لي أو لغيري فرصة أوسع من هذه لدرس جميع أعمال الرجل،
والكشف عما حاكه من الكيد للإسلام وأهله والله المستعان.
¥