تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أنا لا أقول أننا لا نحتاج لتمحيص الروايات الأدبية لكن أقول التمحيص يأتي من ناحية المتن نفسه أكثر من البحث في الإسناد فما خلا متنه من النكارة والغرابة والكذب والافتراء فلا حاجة لنا لرده أو البحث في إسناده أما الروايات التي تمس جانب الصحابة رضي الله عنهم والتي تحتوي على مغالطات شرعية وتزيفات تاريخية وكذب على أعلام التاريخ الإسلامي فيجب أن ننتبه لها ونقف معها وقفة تحقيق وتدقيق وهذا هو المنهج المتبع والذي يقوم به الكثيرون من أهل العلم والفضل أما أن نعمد إلى كتاب أدبي ونبدأ في تناول رواياته وأخباره ونخضعها للجرح وتعديل فصعب ولا فائدة كبيرة ترجى منه

ويزداد الأمر سوءًا إذا رُوي أثر مثل قصة المهدي آنفة الذكر، فكيف نرمي أمير المؤمنين وخليفة المسلمين بكبيرة هي أم الخبائث ومذهبة العقل (الخمر)؟

الرواية لم تذكر أنه شرب الخمر

ثم أخرج له فضلة من لبن فسقاه، ثم أتاه بنبيذ في ركوة فسقاه

الرواية ذكرت النبيذ والنبيذ منه ما هو مسكر ومنه ما هو غير مسكر ومنه ما هو حرام ومنه ما هو حلال فليس مجرد ذكر النبيذ في رواية يحمل مطلقا على الخمر المسكر الحرام

مثلا في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ بِقَدَحِي هَذَا الشَّرَابَ كُلَّهُ الْعَسَلَ وَالنَّبِيذَ وَالْمَاءَ وَاللَّبَنَ

وفيه أيضا عن ابن عباس قال كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ.

يقول النووي رحمه الله فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز الِانْتِبَاذ، وَجَوَاز شُرْب النَّبِيذ مَا دَامَ حُلْوًا لَمْ يَتَغَيَّر وَلَمْ يَغْلِ، وَهَذَا جَائِز بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة، وَأَمَّا سَقْيه الْخَادِم بَعْد الثَّلَاث وَصَبّه، فَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَن بَعْد الثَّلَاث تَغَيُّره، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَزَّه عَنْهُ بَعْد الثَّلَاث. وَقَوْله: (سَقَاهُ الْخَادِم أَوْ صَبَّهُ) مَعْنَاهُ تَارَة: يَسْقِيه الْخَادِم، وَتَارَة يَصُبّهُ، وَذَلِكَ الِاخْتِلَاف لِاخْتِلَافِ حَال النَّبِيذ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَظْهَر فِيهِ تَغَيُّر وَنَحْوه مِنْ مَبَادِئ الْإِسْكَار سَقَاهُ الْخَادِم وَلَا يُرِيقهُ؛ لِأَنَّهُ مَال تَحْرُم إِضَاعَته، وَيَتْرُك شُرْبه تَنَزُّهًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ فِيهِ شَيْء مِنْ مَبَادِئ الْإِسْكَار وَالتَّغَيُّر أَرَاقَهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَسْكَرَ صَارَ حَرَامًا وَنَجِسًا فَيُرَاق وَلَا يَسْقِيه الْخَادِم؛ لِأَنَّ الْمُسْكِر لَا يَجُوز سَقْيه الْخَادِم كَمَا لَا يَجُوز شُرْبه، وَأَمَّا شُرْبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الثَّلَاث فَكَانَ حَيْثُ لَا تَغَيُّر، وَلَا مَبَادِئ تَغَيُّر وَلَا شَكّ أَصْلًا. وَاللَّهُ أَعْلَم.

أظن أن أعظم ما في الرواية هو اتهام الخليفة بالكذب

دمت موفقا للخير

ـ[أبو مالك الدرعمي]ــــــــ[15 - 12 - 2010, 08:16 ص]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

طيّب الله أوقاتكم أيها الفضلاء

إنما عنيت تحقيق وخدمة الأسفار الأدبية، وهو مشروع ضخم راودني منذ المراهقة، وتبلور وتطور وتغير في عقلي مرات، منذ علقت وشُغفت بالعقد الفريد والمستطرف في ميعة الصبا، فتارة أنتوي أن يكون تحقيقا وتارة تهذيبا، فأسميه مثلا (تهذيب المستطرف)، فأعزم على تخريج الأحاديث المبثوثة في تضاعيفة، وكذلك الموقوف (على الصحابة)، والآثار للتابعين والعلماء من حكم وعظات ونحوه، وكانت المشكلة في مرويات غير من أسلفت، من أدباء وحكماء وشعراء وأدب مترجم ونحوه.

عزمت أن أتتبع الكتاب وأزيل منه الشركيات والبدع والإشارات الإباحية، والخرافات والأساطير الخطأ طبًّا أو خُلقًا أو ذوقًا أوما شابه.

وما تفضل به الأديب الأريب اللبيب أبو سهيل يتطابق مع منحاي أو يكاد، ويقينا لا أرنو أو أحلم بتقسيم الأدبيات إلى مرسل ومعضل ومنقطع و ... ، ولكن نُسدد ونُقارب، فما تيسر لنا فيه مثل هذا عاملناه بمنهج الأوائل، وشبه هذا حدث في المعلقات وبعض الأشعار، وعندنا ابن الأنباري وابن النحاس والزوزني والتبريزي والأصمعي وأبو زيد القرشي والمفضل الضبي و ...

ــــــــــــــــ

نعم للنبيذ معانٍ عدة، وقد اجتهدتُ بأن المذكور خمر باستئناسات:

منها أن النبيذ إما خمر أو صائر إلى خمر،

سقيه المرة تلو المرة وهذه صفة احتساء الخمر غالبا،

في حبس الأعرابي الجرعة الرابعة ثمة تخوف أن يزعم هذا الثمل أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، تأمل (فوالله لو شربت الرابعة لادعيت أنك .. )، فربط المزاعم بالشرب.

ـــــــــــ

في الأخير

مبتغاي تناول المرويات الأدبية بالجرح والتعديل بصرامة في الحديث الشريف، وبنوع حزم مع آثار الصحابة والتابعين، وببعض تساهل مع الباقي، ثم نحاكم الصنف الأخير شرعا فعقلا فعرفا فاستقراءً، وكم من نصوص أدبية تُسقطها للخطأ الفاحش في التواريخ، أو استحالة وقوعها وحدوثها لسبب أو لآخر، وهكذا ننقي أدبنا فلا يصبح خارجا عن الأدب.

وفقكم الله لكل خير.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير