تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال أبو عبدالرحمن: يخشى أن ترتد حداثة الشعر فكرياً وفنياً بمثل هذا التنظير الغائم بأقلام رواده؛ لأن هذا التنظير مزج بالريح، ودعوة إلى مستحيل؛ لأنه معدوم,, وبيان وجه العدمية أن الشاعر والمنظر لا يستطيع تغيير خلق الله، ولا إبدال سنته الكونية,, إنه لا يغير فطرة الحاسة الجمالية، والإدراك المعرفي، والقيم المنطقية والخلقية لدى البشر,, إن القصيدة موضوع لإحساس الذات المتلقية,, موضوع لإدراكها العقلي,, موضوع لذوقها الجمالي والخلقي,, والقصيدة الموضوع ليس لها صفة الثبات على النمط,, لا شك في هذا,, ولكن ليس لها أيضاً صفة عدم الثبات بإطلاق؛ لأن في الذات المدركة والمتذوقة ثوابت,, فأما الفكر والأخلاق فلا لبس في ثوابتهما,, وأما الحس الجمالي الذي هو في تطور دائم فلا يعني أن الحس الجمالي في نفي دائم لنفس الحس الجمالي,, بحيث أن ما كان اليوم جميلاً يكون قبيحاً غداً,, كلا، وإنما الحس الجمالي ينوع الحس الجمالي ويثريه من جهتين:

أولاهما: التطور من جميل إلى أجمل؛ فيبقى للسابق نسبته الجمالية,

وأخراهما: التطور من أجمل إلى مجرد جميل، ولكن ذلك الجميل جديد، ولكل جديد لذة,, والانعتاق من الرتابة، والسأم من النمط قيمةً جمالية، ولكن الجديد الجميل لا ينفي القديم الأجمل، بل يبقى الأجمل قيمةً جمالية تاريخية، ويبقى ايضاً قيمة جمالية راهنة؛ لأن لكل قديم وحشة كما أن لكل جديد لذة,

إن الأستاذ الصادق شرف في دور الانفعالي؛ إذ ينقل بإعجاب هراء نزارياً دون محاكمة,, وإذا كان من المسلم به أنه يُبعث على رأس كل قرن مجدد يجدد للأمة ما اندرس من دينها فلا أستبعد أن تكون القصيدة التي ليس لها نسخة ثانية أقل من نبوغ المجددين على مدار القرون,, إن القصيدة الوحيدة مطلب بلا ريب، ولكن ابتغاء قصر الشعر على القصيدة الفريدة؛ بأن يكون مدار الحركة الشعرية انتقالاً من نسخة فريدة إلى نسخة فريدة مطلب متعذر، وليس متعسراً وحسب,, وإنما سنة الله الكونية أن يكون التجديد جزئياً في أعمال الشعراء؛ لأن ذلك منتهى قدرتهم، ويكون من مجموع الجزئي الجديد الكلي المتجدد الذي تتألف منه مدرسة,

وليس الشعراء محصورين في حالتي: إما تكوين القصيدة زمانها الخصوصي، وإما ضياعها في الزمن العام!! ,, بل التجديد كما هي سنة الله في الفكر والإبداع أن ينهض الشاعر بإبداع يعني الزمن الخصوصي بأدوات من الزمن العام,, وكل المتغيرات لا تكون طفرة، بل بالتدريج والتداخل,

والمألوف واللامألوف ليسا قيمتين، وإنما هما ظاهرتان تاريخيتان قديم، وجديد,, وهما موضوعان للقيم؛ فيكون اللامألوف الشعري قيمة جمالية إذا استجابت له حاسة الجمال لدى الأجيال الواعية المثقفة؛ فيعلو ذوقها بعشق الأجمل الجديد من القيم الجمالية الثابتة في الذات والموضوع معاً,, وقد أسلفت أن التطور في الإحساس بالأجمل، والإحساس بالجميل الجديد بمعيار دفع السأم,, أما درجات الجمال فهي من الثوابت في الذوات، ويوجد في الموضوع مواصفات الذات المتذوقة,

والدهشة التي جعلها نزار قباني قيمة ليست قيمة في ذاتها، وإنما هي حالة ذاتية تعني الحيرة والذهول أمام جمال صارخ 2 استجابت له ذات دون أن تجد راحة للتأمل,,وتكون الدهشة أيضاً من القبح,

ولاتعني الدهشة أن يكون الجميل غير مألوف بالضرورة، بل قد يكون نموذجاً آخر لنموذج سابق أقل جاذبية، وقد يكون المتلقي خالي الذهن من نموذج سابق أكثر دهشة، وقد تكون الدهشة جزئية تتعلق بعنصر واحد من عناصر العمل الابداعي,

وذلك العصيان، والأشكال، والصيغ مما ذكره نزار هراء آخر؛ فالشعر من الفنون الجميلة، وهو فن قولي، وكل قول له هويته التي هي هوية الجماهير من كونهم عرباً فصحاء، أو عرباً عواماً، أو فرساً، أو تركاً، أو إنجليزاً,, والصيغ كحروف الهجاء الفرعية والأصلية محصورة,, فأي انقلاب يحقق شعراً ليس بالعربية الفصحى، ولا بالعامية، ولا بالتركية,, إلخ,, وبصيغ لا توجد في لغة الجماهير المتلقية؟! ,

إن في الشعر ثوابت وفقاً للغته؛ فلكي يكون شعراً عربياً فصيحاً لا بد من مفردته المأثورة، وأوزان مفرداته المأثورة، وقوانين تركيبه من علم النحو,

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير