تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان حقل الدعوة الذي يعمل من خلاله يتناسب مع حياة الداعي، ونظرا لأن الدعوة إلى الله الشأن فيها أنها جهاد تحتاج من الداعي إلى صبر وجلد ومثابرة، فقد تم تعيينة في قرية نائية عن العمران وقد عمل بها إماما وخطيبا، وحظى بإعجاب من يصلون خلفه ويستمعون إلى خطبه وقد كان يرغب في أن يواصل الدراسات العليا لا سيما وأن تقديراته بكلية أصول الدين كانت بمرتبة " جيد جدا " وبعد عمله بالأوقاف قرابة شهر واحد حظي بأن يكون من المكلفين من قبل كلية أصول الدين بالعمل فيها معيدا، وواصل الدراسة من جديد فحصل على شهادة "الماجستير " سنة خمس وسبعين وتسعمائة وألف وكان التقدير أيضا "جيد جدا " وبالجهد الدؤب والمكابدة في سبيل تحصيل العلم لا سيما لرجل له هذه الظروف الخاصة أمل أن يحقق الله له الأمل المنشود ليحصل على شهادة "الدكتوراة بمرتبة الشرف الثانية " تحت عنوان "تفسير سورة الرحمن " وكان ذلك سنة ثمان وسبعين وتسعمائة وألف، ومن يمن الطالع أن ليلة مناقشة هذه الرسالة اتفقت قضاءا وقدرا مع ليلة القدر من شهر رمضان، ولم يقف جهده في هذا الميدان على الحصول على الدكتوراة وإنما مواصلة البحث ومواكبة العلم كانت سببا في حصوله على درجة "أستاذ مساعد " سنة أربع وثمانين وتسعمائة وألف، وكان وقتها يعمل بكلية البنات بالمدينة المنورة كمعار لها من قبل جامعة الأزهر، ثم كان تتويج رحلة الجهاد العلمي فحصل على درجة الأستاذية سنة تسع وثمانين وتسعمائة وألف وظل باعه الطويل في الإنتاج العلمي في مجال التفسير التحليلي والموضوعي وعلوم القرآن ومناهج المفسرين فأثرى المكتبة الإسلامية بكم هائل من الإنتاج العلمي الغزير الرصين سيظل له صدقة جارية وعلم ينتفع به إلى قيام الساعة. وكان لنا مع شيخنا الجليل رابطة ود متصلة من خلال والدنا المرحوم الدكتور سليمان الدبشة فأنعقدت صلة المودة بيننا برحم العلم فكان من وفاء أستاذنا الكريم وكريم عطفه أنه كان دائم السؤال عنا نسأل الله أن يجعل هذا في موازين حسناته رحل عالمنا الجليل عن دنيانا في صمت. ولم يلقَ من الرعاية والاهتمام ما يليق بعلمه ومكانته، رغم أن فضائله لا تُجارى، ومناقبه لا تُبارى، ثلمته لا تسد، والمصيبة بفقده لا تُحدّ، والفجيعة بموته نازلة لا تنسى، وفاجعة لا تمحى، والخطب بفقده جلل، والخسارة فادحة، ومهما كانت الألفاظ مكلومة، والجمل مهمومة، والأحرف ولهى، والعبارات ثكلى، فلن تستطيع التعبير، ولا دقة التصوير، فليست الرزية على الأمة بفقد مال، ولكن الرزية أن يفقد عالم يموت بموته جمعٌ غفير، وبشر كثير، فموت العالم ليس موت شخص واحد، ولكنه بنيان قوم يتهدم، وحضارة أمة تتهاوى. فموت العالم مصيبة وهو نذير شؤم لهذه الأمة. وتعظم الفجيعة إذا كان من يفقد متميز المنهج، فذ العبقرية، متوازن النظرة، متماسك الشخصية، معتدل الرؤى قوي في الحق لا يخشى في الله لومة لائم: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [الأحزاب: 39]. أمة في إمام، أئمة في رجل، نسيج بمفرده، وطراز مستقل وحده، من علماء التفسير وعلوم القرآن والمتحلين بالاعتدال والوسطية، والحريصين على الأمة، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، على الرغم مما تعرضت له الأمة من الخلل العقدي والفكري والأخلاقي، فما كان الرجل إلا من هذا الطراز المتميز اجتهاد في حسن التوجيه، حتى لكأنه مدارس جامعة، يصدر عنه الرأي في النوازل، والمنهج في المستجدات، والمسلك الأسلم في المتغيرات، تمسكًا بالتأصيل الصحيح، والمنهجية المنضبطة بضوابط الشرع، فلا غرو إذاً أن يكون موته هزة عنيفة الوطء، شديدة الأثر، محلياً وإقليمياً وعالمياً، في الوقت الذي تُعاني فيه أمتنا الإسلامية ظروفاً عصيبة في عالم اليوم الذي يموج بالتحديات، وتكتنفه سرعة المتغيرات، وتعصف بعوامل استقراره المستجدات، وتضج فيه أنواع من الفوضى الفكرية الوافدة، والاتجاهات العقدية المتنوعة. وفوضى الفتاوى المجترئة. لكنّ من حسن العزاء لنا في فقده: أن دين الله محفوظ، وشريعته باقية، وخيره يفيض ولا يغيض، فأعلام الديانة مرفوعة بحمد الله: «ولا تزال طائفة من أمتي - أمة محمد صلى الله عليه وسلم - على الحق ظاهرين، لا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير