ثانيا: ينبغي أن يعلم أن أهل السنة بحق هم أهل الامتثال الكامل للإسلام اعتقادا وسلوكا، ومن قصور الفهم أن يظن السني أو السلفي هو من حقق اعتقاد أهل السنة دون العناية بجانب السلوك والآداب الإسلامية، و تأدية حقوق المسلمين فيما بينهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في نهاية العقيدة الواسطية بعد أن ذكر أصول أهل السنة في الاعتقاد: (ثم هم مع هذه الأصول: يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبرارا كانوا أو فجارا، ويحافظون على الجماعات، ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا) وشبك بين أصابعه، وقوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانا: أحسنهم خلقا).
ويندبون إلى أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عن من ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين، وكذا يأمرون بصلة الرحم، وحسن الجوار، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق، ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفاسفها.
وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة، وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمد صلى الله عليه وسلم.اهـ < العقيدة الواسطية (ط: أضواء السلف ص 129، 131) >
ثالثا: إن من المقاصد العظيمة التي حث عليها الإسلام: هداية الخلق إلى هذا الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي لما بعثه إلى خيبر: (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) أخرجه الشيخان، البخاري برقم (4210)، ومسلم برقم (1206).
فعلى من من الله عليهم بالهداية إلى السنة أن يحرصوا على دعوة من ضل عنها أو قصر فيها إلى تحقيقها، وأن يبذلوا كل الأسباب الممكنة في هداية الناس وتقريب قلوبهم لقبول الحق، وذلك بمخاطبة المدعوين باللين كما قال تعالى في خطابه لموسى وهارون: (اذْهَبَا إِلَى? فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى? (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا) < طه:43 - 44>.
فأمر الله بمخاطبة من أخبر عن طغيانه، وعلم أنه يموت على الكفر باللين، فكيف بمن هو دونه من أصحاب المخالفات من المسلمين؟!
وكذلك مخاطبة المدعوين بالألقاب التي تتناسب مع مكانتهم، وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل بقوله: (إلى هرقل عظيم الروم)، وكان يكني عبد الله بن أبي بن سلول بأبي الحباب.
وكذلك مراعاة الصبر على جفاء المدعوين ومقابلته بالإحسان، وعدم استعجال استجابتهم؛ قال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ?) < الأحقاف:35>.
رابعا: ينبغي لطلبة العلم – خصوصا الدعاة منهم – أن يفرقوا بين المداراة والمداهنة؛ فالمداراة مطلوبة وهي متعلقة باللين في المعاملة، جاء في لسان العرب (14/ 255): (مداراة الناس: ملاينتهم وحسن صحبتهم واحتمالهم لئلا ينفروا منك)، والمداهنة مذمومة وهي متعلقة بالدين، قال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) < القلم: 9>، قال الحسن البصري في معنى الآية: (ودوا لو تصانهعم في دينك فيصانعون في دينهم) < تفسير البغوي (4/ 377).
فالمداري يلين في المعاملة من غير أن يتنازل عن شيء من دينه، والمداهن يتقرب للناس بترك شيء من الدين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وأرفقهم بالأمة، وهذا يمثل جانب الرفق واللين من هديه، وكان أقوى الناس في دين الله فلا يترك شيئا منه لأحد كائنا من كان، وهذا يمثل جانب قوة التمسك بالدين الذي يتنافى مع المداهنة.
¥