1 - اعلم أخا السنة أنك إن كنت صاحب سنة بحق فلن يضرك كيد أهل الأرض لك، ولن يخرجك من السنة رميهم لك بالبدعة، وإن كنت على زيغ وضلال – وأعيذك بالله أن تكون كذلك – فلن ينفعك عند الله ثناء الناس عليك ونسبتهم إياك للسنة، وتمجيدهم لك بالألقاب الزائفة، وقد علم الله من حالك ما تعرف عن نفسك، فإياك من مخادعة النفس، وبحسبك موعظة في هذا المقام وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس. < أخرجه الترمذي (2516)، وأحمد (2669) >، وحديث الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، أعاذني الله وإياك منها. < أخرجه مسلم (1905) >
2 - اعلم أن علماء السنة الراسخين إنما بلغوا ما بلغوا من الرفعة في الدين والإمامة في مع توفيق الله لهم بالصبر واليقين، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)) < السجدة: 24 >.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين) اهـ.
واليقين: قوة في العلم مبناه على الدليل الصحيح، والفهم السليم دون ما رضيه البعض من الطلبة لأنفسهم من أن يكون حظهم من العلم تقليد عالم أو طالب علم، ودعوى أن الحق يدور معه وما فهم السنة أحد غيره.
والصبر: جلد على طلب العلم مع العمل به وشغل لساعات الليل والنهار في ذلك، خلافا لمن ضعفت عزائمهم عن ذلك وأخلد للراحة وأسلم نفسه لشهواتها، فلا همة في الطلب ولا امتثال للعمل.
3 - اعلم أن التكفير والتبديع والتفسيق حق لله؛ فاحذر من أن تكفر أو تبدع أو تفسق من لا يستحق ذلك وإن كفرك أو بدعك أو فسقك؛ فإن أهل السنة لا يقابلون ظلم المخالف لهم بالظلم، وإنما هذا من سيما أهل البدع.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (والخوارج تكفر أهل الجماعة وكذلك المعتزلة يكفرون من خالفهم، وكذلك الرافضة ومن لم يكفر فسق ... وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكفرون من خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق). < منهاج السنة (5/ 158) >
4 - لا تهجر من هجرك من إخوانك إن لم يكن هجره مشروعا، بل بادره بالسلام وتألفه وأزل عنه الشبهة التي هجرك من أجلها، فإن أعرض بعد ذلك فلا تعتقد هجره بقلبك ولا تشغل نفسك بملاحقته، وأنت بريء من إثم القطيعة، وهو المؤاخذ بذلك.
5 - ذم الناس لك إما بتنقصك في نفسك وإما بنسبة الباطل لك بقول يخالف قول أهل السنة، فما تنقصت به في نفسك كقول المخالف ضال جاهل لا يفقه، فلا تنتصر لنفسك وإلا وقعت في تزكية نفسك وفي ذلك الهلاك البين، وقد ذم رجل أحد أئمة السلف بكلمة، فقال له ما أبعدت.
وقد كان أهل البدع يصفون علماء أهل السنة بالعظائم في أنفسهم وما كانوا يبالون بذلك وإنما كانوا يردون عليهم فيما أخطئوا فيه من الدين وينصحون للأمة؛ فلنا أسوة حسنة فيهم.
وأما إن نسب لك المخالف شيئا من الأقوال الباطلة كأن يقول: يقول فلان كذا و كذا وينسب لك ما لم تقله؛ فانف هذا عن نفسك حتى لا ينسب لك الباطل، وما زال العلماء ينبهون على ما ينسب إليهم من أقوال لم يقولوها، وليس هذا من تزكية النفس في شيء، بل هو من النصح للأمة، ففرق بين هذه الصورة والتي قبلها؛ فتمسك بهدي العلماء في ذلك ولا تكن كبعض الجاهلين الذين إذا تكلم فيهم بكلمة ملأ الدنيا ثناء وتمجيدا لنفسه، نعوذ بالله من الخذلان.
وأخيرا:
6 - اعلم أن الناس يعظمون فيما هم فيه من عمل، فإن كنت على السنة فأنت في كل يوم تعظم فيها ولن تمر الأيام حتى تكون إماما فيها، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)) < السجدة: 24 >.
وإن كنت على البدعة فأنت في كل يوم تعظم فيها ولن تمر الأيام حتى تكون إماما فيها، قال تعالى: (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَ?نُ مَدًّا) < مريم: 75 >
وقال عن فرعون وقومه بعد أن وصفهم بالاستكبار بغير الحق: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) < القصص: 41 >.
فاختر لنفسك من العمل اليوم ما تحب أن تكون فيه إماما في الغد، هذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
كتبها
إبراهيم بن عامر الرحيلي
كان الفراغ منها في المدينة النبوية
بتاريخ 8/ 10/1424 هـ