تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة وإن كان ذلك في المسائل العلمية، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة، وإن كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل مع كونه لم يطلب العلم، فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم بحسب إمكانه، هو أحق أن يتقبل الله حسناته ويثيبه على اجتهاداته ولا يؤاخذ بما أخطأ تحقيقا لقوله: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) < البقرة: 286>) اهـ. < مجموع الفتاوى (20/ 165) >

ويقول رحمه الله: (هذا قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم، لا يؤثمون مجتهدا مخطئا في المسائل الأصولية ولا في الفرعية كما ذكر ذلك عنهم ابن حزم وغيره، وقالوا: هذا هو القول المعروف ن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين أنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحدا من المجتهدين المخطئين لا في مسائل عملية ولا علمية، قالوا: والفرق بين مسائل الفروع والأصول إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام والمعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم). < مجموع الفتاوى (19/ 207) >

وتقرير هذا لا يعني عدم مناصحة العالم إذا أخطأ، بل مناصحته واجبة على من علم خطأه، وهذا من البر به والإحسان إليه، لكن تكون المناصحة برفق ولين وأسلوب يتناسب مع قدره في العلم والفضل.

ثم إن رجع عن الخطأ وصوبه فيقبل منه رجوعه، ولا يجوز بعد ذلك أن يتكلم فيه ولا أن يلام على خطئه، ولا أن يشكك في صدق رجوعه.

وإن لم يرجع عن الخطأ لتأويل أو شبهة حالت بينه وبين معرفة الحق، فينظر في الخطأ فإن كان مقتصرا عليه فقد برئت الذمة بمناصحته في نفسه، وإن كان منتشرا نبه الناس على هذا الخطأ وحذروا منه مع حفظ مقام ذلك العالم.

وينبغي التنبه هنا لحفظ أصلين عظيمين:

أحدهما: التجرد للحق.

والثاني: حفظ مقام العلماء.

وهذان الأصلان غير متعارضين عند أهل السنة، ولا يفرط في أحدهما على حساب الآخر.

فحب العلماء ومعرفة قدرهم لا يعني السكوت عن أخطائهم وعدم التنبيه عليها، والتجرد للحق والتنبيه على خطأ العالم لا يعني تنقصه والوقيعة فيه، بل يمكن الجمع بينهما عند من وفقه الله.

ومن عرف طريقة العلماء في التنبيه على أخطاء بعضهم دون تنقص أدرك حقيقة الأمر، وشواهد ذلك كثيرة من كلام العلماء.

عاشرا: أهل البدع الذين خالفوا عقيدة أهل السنة ومنهجهم في الاستدلال والتعليم و التدريس والدعوة إلى الله، واتبعوا الأهواء ولم يتأسوا بعلماء أهل السنة بل يتنقصونهم ويغمزونهم ويتفضلون عليهم، هؤلاء مبتدعة ضلال ينبغي مجاهدتهم بتنبيه الناس على سوء طريقتهم وانحرافهم عن السنة، والرد على شبهاتهم ويعاملون معاملة أهل البدع في سائر الأحوال، وهذا لا يمنع من دعوتهم للحق ومجادلتهم بالتي هي أحسن من قبل العلماء إن كان هذا مؤثرا في رجوعهم للسنة.

وينبغي الحذر من الخلط بين علماء أهل السنة وما ينبغي أن يعاملوا به – حتى مع وجود الخطأ – من حفظ مقامهم ومعرفة قدرهم على ما تقدم بيانه، وبين علماء أهل البدع الذين يجب مقاطعتهم ومهاجرتهم والتحذير منهم، وذلك أن خطأ علماء أهل السنة كان عن اجتهاد في طلب الحق مع سلوك الطريق الصحيح في الاستدلال، وخطأ أهل البدع ناتج عن هوى وانحراف وعدم سلوك الطريق الصحيح في الاستدلال؛ فشتان ما بين الحالين.

وهذا المقام هو فرقان ما بين أهل السنة وأهل البدع، وبهذا يتبين للحاذق السبب في عدم تبديع الأئمة لبعض علماء أهل السنة الذين وافقوا بعض أهل البدع في مسائل جزئية من أقوالهم.

حادي عشر: أختم هذه النصيحة بتوجيهات لطيفة وفوائد عزيزة أرى أن في العمل بها أعظم الأجر والثواب وأرفع الدرجات عند الله، وأدعو إخواننا للعمل بها ومراعاتها خصوصا في هذه الأزمان التي عمت فيها الفتن وساد الهوى وفشا الجهل في الناس إلا من رحم الله وهداه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير