فإن الفقير، وإن تأخرت مكتابته للمقام الخطير، إلاَّ أن الذي حال هذه المدة، انتظار الأجوبة من جُدة (1)، وقد كتبت كما أمرتم لذاك الفاضل، فأجاب يسأل عن فهرس ما لدينا من كتب السلف، وأرسل كتاب " العرش " لنقابله له على نسخة الخزانة (2)، فأجبته بأن استقراء أسماء كتب السلف مما يعسر، وإنما المهم نسخ آثار شيخ الإسلام التي في الخزانة، وتتبع المهم منها في " الكواكب"، وغيرها.
ثم أرسلنا له نسخة من كتاب " العرش " مقابلة إلا مقدار كراس فإنه ناقص من الأصل، وأرسلنا له كراريس من " شرح الأصفهانية "، ورسالة " جواب لشيخ الإسلام عن كتاب الطبرسي " (3)، وعرفناه عن ثمنهما لناسخهما فحضر جواب ثان فيه دفع الأُجرة للناسخ والثمن.
ثُمَّ حكى لي صديقنا الروَّاف بأن استنتخ كتاب الوسيلة لشيخ الإسلام من الخزانة، وكراريسه تربو على العشرة، فذكرنا لأخينا في جوابي له، وكان أجاب أولاً بأن ننظر ما لدينا مما يلزم طبعه لتعرفه به، فرأيت الآن أن المهم أن نطبع: كتاب " عقيدة الإمام أحمد " للتميمي (4) وهو مفيد جداً نسخه الروَّاف من الخزانة، وكتاب " إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" لابن القيم، وهو كتاب نفيس يفيد الأمة إفادة عظيمة في المسألة المذكورة، ولا أدري هل ظفرتم به، فإني ظفرت بنسخة منه في خزانة الجد ـ عليه الرحمة (5) ضمن أحد المجاميع، وكان الوالد ـ رحمه الله ـ يطالعه دائماً ويبتهج به، فرأيت أن ننسخه ثانية، لأن النسخة الأولى لا يستطيع الطابع طبعها لقدم عهدها.
ورأيت أيضاً أن ننسخ من " الكواكب " لشيخ الإسلام في مسألة الكلام (6) مع فتاوى أخر له يكون كتاباً على حدة في هذه المسألة التي حرَّرها أحسن تحرير.
والآن أصحح نسخة " إغاثة اللهفان " بنفسي فإن كان عند المولى أصل منه فليتكرم بإرساله ثُمَّ نعيده لسماحته ثم نعطيه لناسخ، ثُمَّ وعدني ناسخ أن بأن ينسخ بعدها الفتوى في الكلام. ولقد رأيت نفسي أني قد شغلت بشيء آخر عدا ما لدي. ولا يخفي مولاي ما في ذلك من العناء نسخاً وتصحيحاً ومقابلة في الخزانة، إلاَّ أن شغفنا سرعة تنوير الأفكار، وتنبهها لمراشدها مما يخفف تلك الصعوبات.
وتذكرت أني أرسلت له مع كتاب " الوسيلة " مجموعاً فيه رسائل لشيخ الإسلام كنت استخرجته من محال، وأشرت عليه بأنه إن استحسن شراءه فليقدمه للطبع، وإلاَّ فليرسله فإنه من نفائس ما لديَّ سيَّما وفيه قطعة ظفرت بها من كتاب الشهاب ابن مري (7) لتلامذة شيخ الإسلام يعزيهم
بوفاته، ويحضهم على جمع تآليفه والسَّعي في اكتتابها، نسخته من أصل مخروم (8) إلاَّ أن غرابة موضوعه شاقتني؛ لأن أُثبته على نقصه، أخذ المولى بأيدينا، ووفقنا لمرضاته.
وأرجو التفضل بإجابتي ولو بكلمات، والإشارة بما يسنح للقلب السليم أيَّده الله بروح منه، آمين.
.................................................. .. السبت 7 جمادى الآخرة سنة 1327
.................................................. .................. جمال الدين القاسمي
# سيدي، كان أشار عليَّ بعض الفُضلاء من نحو عامين بجمع متون متنوعة في مقابلة تلك المتون المطبوعة (9)، على شريطة أن لا تكون منظومة، وأن يكون حجم المتن كُراساً فأصغر، وأن يكون لإمام شهير عرفه التاريخ، ولا يخفى ما استقر ذلك من المصاعب ولكن الحقَّ تعالى أعان بفضله فجمعنا قريباً من تسعة متون، وبقى متن في التوحيد على الشريطة، فإن كان لدى سيدي متن فليتفضل بإرساله؛ لأن المهم أن يكون طليعة المجموع رسالة في ذلك سيَّما إذا كانت سلفية المشرب.
وإذا كان يوجد لدى سيادتكم متون في فنون أُخر فالمرجو إتحافنا بما أمكن، وتعريفنا عنه فإن هذه الخدمة اضطر إليها هذا العصر لكثرة المدارس المنوي إنشاؤها والمأخوذ في ترقيها، ولا قيام لها إلاَّ بمثل
ذلك، وكنت مما رأيته مهماً كتاب " لقطة العجلان " للزركشي لاشتماله على أربعة فنون فشرحته على الأسلوب العصري، وطبعه لنا أحد الإخوان في الإسكندرية، ومتى وصلت نسخه نقدِّم للسيادة منه عدة إن شاء الله (10)
والقصد أن الواجب الآن الافتكار فيما ينهض الأمة من كل بحسبه، وإذا فات أمثالنا الإصلاح السياسي، فلا أقل من الإصلاح العلمي، وما أحوج المُصليحين لمشاطرة المياسير أهل النهضة به.
والتوفيق بيده سبحانه، لا إله سواه.
¥