تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والقسم الثاني: طالب علم زاول العلم فشمَّ رائحته، وجمد على ما عهد من شيخ مثله، فهذا أحسن أخلاقه أن لا يسمع لقولك ولا يتحدث بما يؤذي، وإنما قلت أحسن، لأن غيره من أهل العناد الحمقى يضللون من خالف ما اعتادوه.

سئلت مرة في مجلس: هل تجوز الاستغاثة بأولياء الله؟ فقلت: لا يستغاث إلا بالله. وفي المجلس شيخ كبير ممن يعاني تدريس العلم عارضني بأنه يجوز، فقلت له: ما دليلك؟ فقام مغضباً قائلاً وهو ذاهب: دليلي قول اللقاني (9):

وأثبتن للأوليا الكرامه ... ومن نفاها فانبذن كلامه

فانظروا الدليل وتنزيله على الاعتراض، هؤلاء لا يفرقون بين معنى الاستغاثة، ومعنى الكرامة، وهو من الضروريات.

ومما أتعجب منه وأتأسف، ما رأيته في نتائج مخالطاتي لأهل العلم ومناظراتي ومذاكراتي: أني أجد الشبان والطلبة الصغار أقرب قبولاً للحق، وذوقاً للصواب، وسروراً بالدليل من الشيوخ، وأكثر الشيوخ جامدون على ما ألفوه، ومن أحبارهم ورهبانهم عرفوه، ولا أدري: هل ذلك لطول قعودهم في أرض التقليد صاروا كمن دُقت له أوتاد والتحمت تلك الأوتاد بالأرض، فلا يستطيعون النهوض منها؟ أم لأن غالب الشيوخ أكبر مني سناً؟ فهم يأنفون من أن يستفيدوا ممن هو أصغر منهم؟ أم كيف الحال؟

وعلى كل حال أتذكر عند ذلك قول الشاعر:

إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت * ولن تلين إذا كانت من الخشب

وإني أحمد الله تعالى على أن أنقذني من أسر التقليد، وصرت إذا رأيت تعنتهم واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أتلو قوله تعالى مذكراً لنفسي آلاء الله: (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم)، لأني كنت أرى قول فقيه: المعتمد كذا، أو استظهر شيخنا كذا، كأنه بين دفَّتي المصحف، والله بل آكد "أستغفر الله"؛ لأني أقول: الآية لا أفهمها مثله، ونظن كل كلمة قالها مالكي فهي من مقولات مالك أو حنفي فأبو حنيفة أو شافعي ... إلخ والخروج عن الأربعة كالكفر ولو أيده ألف حديث.

والحمدلله الذي عافانا مع بقاء احترامهم ومحبتهم في قلوبنا.

وأخبركم أني لما بدأت في الاستضاءة بنور الحديث ووزن خلافات الأئمة والفقهاء بالأدلة، وصرت أصلي بالقبض والرفع ... (10) إلخ، وذلك سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف، ألقي لي في المنام قوله تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)، وقمت بها من المنام على لساني. ولا تنسونا من الدعاء، ودمتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

.................................................. ................ في ذي الحجة سنة 1327 .................................................. ..................... حافظ ودكم

.................................................. ............ محمد المكي بن عزوز التونسي.


(1) توفي الشيخ محمد المكي بن مصطفى عزوز سنة 1334هـ، ولمزيد معرفة ترجمته؛ انظر: "محمد المكي بن عزوز، حياته وآثاره" لعلي الرضا الحسيني، ط. دار الحسينية بدمشق.
(2) أبو الهدى الصيادي الرفاعي المتوفي سنة (1327هـ).
(3) سيرد ذكره بعد هذه الرسالة مباشرة.
(4) هو الشيخ مصطفى بن محمد الغلاييني، عالم مصلح، من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق، له مؤلفات، تولى رئاسة المجلس العلمي ببيروت، توفي سنة (1364هـ). انظر ترجمته في: " الأعلام للزركلي" (7/ 244)، و "مجلة المجمع العلمي العربي " (20/ 190)، و " علماؤنا" لكامل الداعوق (ص 134).
(5) طبع هذا الكتاب في بيروت سنة 1327 هـ. " معجم المطبوعات العربية" (2/ 1839).
(6) لابن قدامة.
(7) لصديق حسن خان.
(8) هو "كشاف القناع عن متن الإقناع"، للبهوتي.
(9) هو إبراهيم بن إبراهيم اللقاني المتوفى سنة (1041هـ) صاحب جوهرة التوحيد، وهذا البيت منها؛ انظر ترجمته في:" خلاصة الأثر " للمحبي (1/ 6).
(10) ألف العلاَّمة ابن عزوز رسالة في ذلك بعنوان " هيئة الناسك في أن القبض في الصلاة مذهب من مذهب مالك"، وقد طبعت هذه الرسالة ضمن رسائل ابن عزوز المطبوعة بعناية علي رضا التونسي سنة 1404هـ بدمشق.

ـ[أبو الفداء أحمد بن طراد]ــــــــ[29 Mar 2010, 09:49 م]ـ
(15)
بسم الله الرحمن الرحيم
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير