وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات، فإنه أبلغ في المحو. والذنوب يزول موجبها بأشياء: أحدها التوبة، والثاني الاستغفار من غير توبة. فإن الله تعالى قد يغفر له إجابة لدعائه وإن لم يتب، فإذا اجتمعت التوبة والاستغفار فهو الكمال، الثالث: الأعمال الصالحة المكفرة. إما الكفارات المقدرة كما يكفّر المجامع في رمضان والمظاهر ولمرتكب لبعض محظورات الحج أو تارك بعض واجباته أو قاتل الصيد، بالكفارات المقدرة وهي أربعة أجناس: هدي وعتق وصدقة وصيام. وإما الكفارات المطلقة كما قال حذيفة لعمر: فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد دلّ على ذلك القرآن والأحاديث الصحاح في التكفير بالصلوات الخمس والجمعة والصيام والحج وسائر الأعمال التي يقال فيها: من قال كذا وعمل كذا غُفر له، أو غفر له ما تقدم من ذنبه، وهي كثيرة لمن تلقاها من السنن وخصوصا ما صنف في فضائل الأعمال.
واعلم أن العناية بهذا من أشد ما بالإنسان الحاجة إليه، فإن الإنسان من حين يبلغ، خصوصا في هذه الأزمنة ونحوها ـ من أزمنة الفترات التي تشبه الجاهلية من بعض الوجوه ـ فإن الانسان الذي ينشأ بين أهل علم ودين قد يتلطخ من أمور الجاهلية بعدة أشياء، فكيف بغير هذا؟
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه:" لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضبّ لدخلتموه"، قالوا: يا رسول الله، آليهود والنصارى؟ قال:" فمن؟ ". البخاري [7320] ومسلم] 2669]. هذا خبر تصديقه في قوله تعالى: {فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ} التوبة 69.، ولهذا شواهد في الصحاح والحسان.
وهذا أمر قد سري في المنتسبين الى الدين من الخاصة، كما قال غير واحد من السلف منهم ابن عيينة. فإن كثيرا من احوال اليهود قد ابتلي به بعض المنتسبين الى العلم، وكثيرا من أحوال النصارى قد ابتلي به بعض المنتسبين الى الدين، كما يبصر ذلك من فهم دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم، ثم نزله على أحوال الناس.
وإذا كان الأمر كذلك فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، وكان ميتا فأحياه الله وجعل له نورا يمشي به بين الناس، لا بد أن يلاحظ أحوال الجاهلية وطريق الأمتين المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى، فيرى إن قد ابتلي ببعض ذلك.
فأنفع ما للخاصة والعامة العلم بما يخص النفوس من هذه الورطات وهو إتباع السيئات الحسنات. والحسنات ما ندب الله إليه على لسان خاتم النبيين من الأعمال والأخلاق والصفات.
ومما يزيل موجب الذنوب المصائب المكفّرة، وهي كل ما يؤلك من هم أو حزن أو أذى في مال أو عرض أو جسد أو غير ذلك، لكن ليس هذا من فعل العبد.
فلما قضى بهاتين الكلمتين: حق الله من عمل الصالح وإصلاح الفاسد، قال:" وخالق الناس بخلق حسن" وهو حق الناس. وجماع الخلق الحسن مع الناس أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار والثناء عليه والزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عض. وبعض هذا واجب وبعضه مستحب.
وأما الخلق العظيم الذي وصف الله به محمدا صلى الله عليه وسلم فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقا، هكذا قال مجاهد وغيره وهو تأويل القرآن، كما قالت عائشة رضي الله عنها: كان خلقه القرآن، * رواه مسلم [746] بنحوه في جملة حديث طويل*، وحقيقته المبادرة الى امتثال ما يحبه الله تعالى بطيب نفس وانشراح صدر.
واما بيان أن هذا كله في وصية الله، فهو أن اسم تقوى الله يجمع فعل كل ما أمر الله به إيجابا واستحبابا، وما نهى عنه تحريما وتنزيها؛ وهذا يجمع حقوق الله وحقوق العباد. لكن لما كان تارى يعني بالتقوى خشية العذاب المقتضية للانكاف عن المحارم، جاء مفسّرا في حديث معاذ، وكذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنهما الذي رواه الترمذي وصححه * انظر تحفة الأحوذي [2072]، قيل: يا رسول الله ما اكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال:" تقوى الله وحسن الخلق". قيل: وما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال:" الأجوفان: الفم والفرج".
¥