تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" * لم أجد بعد كثرة التتبع هذا الحديث من رواية عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وإنما رواه أبو داود [4682] بهذا اللفظ من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الحاكم ورواه الترمذي بزيادة [1172 تحفة الأحوذي] عنه أيضا وصححه.*.

فجعل كمال الإيمان في كمال حسن الخلق. ومعلوم أن الإيمان كله تقوى الله، وتفصيل أصول التقوى وفروعها لا يحتمله هذا الموضع، فإنها الدين كله، لكن ينبوع الخير وأصله: إخلاص العبد لربه عبادة واستعانة كما في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} الفاتحة، وفي قوله: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} هود 123، وفي قوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)} الشورى، وفي قوله: {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} العنكبوت 17، بحيث يقطع العبد تعلق قلبه من المخلوقين انتفاعا بهم أو عملا لأجلهم، ويجعل همته ربه تعالى. وذلك بملازمة الدعاء له في كل مطلوب من فاقة وحاجة ومخافة غير ذلك، والعمل له بكل محبوب. ومن أحكم هذا فلا يمكن أن يوصف ما يعقبه ذلك.

وأما ما سألت عنه من أفضل الأعمال بعد الفرائض فإنه يختلف بإختلاف الناس فيما يقدرون عليه وما يناسب أوقاتهم، فلا يمكن فيه جواب جامع مفصل لكل أحد، لكن مما هو الإجماع بين العلماء باله وأمره: إن ملازمة ذكر الله دائما هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة، وعلى ذلك دلّ حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم:" سبق المفرّدون" * [2676] قالوا: يا رسول الله، ومن المفرّدون؟ قال:" الذاكرون الله كثيرا والذاكرات". وفيما رواه أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ "، قالوا: بلى يا رسول الله، قال:" ذكر الله" * هذا الحديث لم يخّرجه أبو داود في سننه ولكن الترمذي [3437 تحفة الأحوذي] وابن ماجه [3790]. والدلائل القرآنية والإيمانية بصرا وخبرا ونظرا على ذلك كثيرة. وأقل ذلك أن يلازم العبد الأذكار المأثورة عن معلم الخير وإمام المتقين صلى الله عليه وسلم كالأذكار المؤقتة: في أول النهار وآخره، وعند أخذ المضجع، وعند الاستيقاظ من المنام، وأدبار الصلوات، والأذكار المقيّدة: مثل ما يقال عند الأكل والشرب واللباس والجماع، ودخول المنزل والمسجد والخلاء والخروج من ذلك، وعند المطر والرعد، الى غير ذلك، وقد صنفت له الكتب المسماة بعمل يوم وليلة. * ومن احسنها وأكثرها استيعابا كتاب الأذكار لللإمام الرباني محيى الدين يحيى النووي رحمه الله وقد اختصره المؤلف وانتقى منه منتخبات في كتابه الكلم الطيب.* ثم ملازمة الذكر مطلقا، وأفضله لا اله الا الله. وقد تعرض أحوال يكون بقية الذكر مثل سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله أفضل منه.

ثم يعلم أن كل ما تكلم به اللسان وتصوره القلب مما يقرّب الى الله تعالى من تعلم علم وتعليمه، وأمر بمعروف ونهي عن منكر فهو من ذكر الله. ولهذا من اشتغل بطلب العلم النافع بعد أداء الفرائض، أو جلس مجلسا يتفقه أو يفقه فيه الفقه الذي سماه الله ورسوله فقها، فهذا أيضا من أفضل ذكر الله. وعلى ذلك إذا تدبرت ولم تجد بين الأولين في كلماتهم في أفضل الأعمال كبير اختلاف.

وما اشتبه أمره على العبد فعليه بالاستخارة المشروعة، فما ندم من استخار الله تعالى. وليكثر من ذلك ومن الدعاء، فإنه مفتاح كل خير، ولا يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي. وليتحرّ الأوقات الفاضلة كآخر الليل وأدبار الصلوات وعند الآذان، ووقت نزول المطر ونحو ذلك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير