وأما ما تعتمد عليه من الكتب والعلوم فهذا باب واسع، وهو أيضا يختلف باختلاف نشء الانسان في البلاد، فقد يتيسر له في بعض البلاد من العلم أو من طريقه ومذهبه فيه ما لا يتيسر له في بلد آخر، لكن جماع الخير أن يستعين بالله سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه هو الذي يستحق أن يُسمّى علما، وما سواه إما أن يكون علما فلا يكون نافعا، وإما أن لا يكون علما وإن سُمّي به. ولئن كان علما نافعا فلا بد أن يكون في ميراث محمد صلى الله عليه وسلم ما يغني عنه مما هو مثله وخير منه. ولتكن همته فهم مقاصد الرسول في أمره ونهيه وسائر كلامه. فإذا اطمأن قلبه أن هذا هو مراد الرسول فلا يعدل عنه فيما بينه وبين الله تعالى ولا مع الناس إذا أمكنه ذلك.
وليجتهد أن يعتصم في كل باب من أبواب العلم بأصل مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا اشتبه عليه مما قد اختلف فيه الناس فليدع ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قام يصلي من الليل:" اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلق فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم". [مسلم 770]. فإن الله تعالى قد قال فيما رواه عنه رسوله: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم".
وأما وصف الكتب والمصنفين، فقد سمع منا في أثناء المذاكرة ما يسّره الله سبحانه. وما في الكتب المصنفة المبوبة كتاب أنفع من صحيح محمد بن إسماعيل البخاري، لكن هو وحده لا يقوم بأصول العلم ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحر في أبواب العلم، إذ لا بد من معرفة أحاديث أخر وكلام أهل العلم في الأمور التي يختص بعلمها بعض العلماء. وقد أوعبت الأمة في كل فن من فنون العلم إيعابا، فمن نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرة وضلالا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن لبيد الأنصاري:" أوليست التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى؟ فماذا تغني عنهم؟ ". *رواه الترمذي [تحفة الأحوذي 2791].
فنسأل الله العظيم أن يرزقنا الهدى والسداد، ويلهمنا رشدنا، ويقينا شرّ أنفسنا، وان لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ويهب لنا من لدنه رحمه إنه هو الوهاب.
والحمد لله رب العالمين وصلواته على أشرف المرسلين.
ـــــــــــــــــــــــــ
المراجع المعزو إليها في التعليق:
الأذكار للامام النووي.
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني.
تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي للمباركفوري.
الترغيب والترهيب للحافظ المنذري.
التيسير بشرح الجامع الصغير للعلامة المناوي.
الجامع الصغير للسيوطي.
سنن ابن ماجه، تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي.
سنن أبي داود، تحقيق الشيخ محمد محيى الدين عبدالحميد.
سنن النسائي.
صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي.
طبقات ابن سعد.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني.
فيض القدير بشرح الجامع الصغير للمناوي.
الكلم الطيب للإمام ابن تيمية.
مجموعة الرسائل المنيرية.
مسند الإمام أحمد.