تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واما أرجح المكاسب: فالتوكل على الله، والثقة بكفايته، وحسن الظن به. وذلك أنه ينبغي للمهتم بأمر الرزق أن يلجأ فيه الى الله ويدعوه، كما قال سبحانه فيما يأثر عن نبيّه:" كلم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم"* رواه مسلم [2577] *. وفيما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع، فإنه إن لم ييسره له لم يتيسر" * [3682 تحفة الأحوذي].* وقد قال الله تعالى في كتابه: {وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ} النساء 32، وقال سبحانه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} الجمعة، وهذا وإن كان في الجمعة فمعناه قائم في جميع الصلوات. ولهذا ـ والله أعلم ـ أمر النبي صلى الله عليه وسلم للذي يدخل المسجد أن يقول:" اللهم اقتح لي أبواب رحمتك" *رواه مسلم [713]، وإذا خرج أن يقول:" اللهم أني أسألك من فضلك" *رواه مسلم [713]. وقد قال الخليل صلى الله عليه وسلم: {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} العنكبوت 17، وهذا أمر، والأمر يقتضي الإيجاب. فالاستعانة بالله واللجوء اليه في أمر الرزق وغيره أصل عظيم.

ثم ينبغي له أن ياخذ المال بسخاوة ليبارك له فيه، ولا يأخذه بإشراف وهلع، بل يكون المال عنده بمنزلة الخلاء الذي يحتاج اليه من غير أن يكون له في القلب مكانة، والسعي فيه إذا سعى كإصلاح الخلاء. وفي الحديث المرفوع رواه الترمذي وغيره:" من أصبح والدنيا همه شتت الله عليه شمله، وفرق عليه ضيعته، ولم ياته من الدنيا إلا ما كتب له. ومن أصبح والاخرة أكبر همّه جمع الله عليه ما شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة" * [تحفة الأحوذي 2583] وفي إسناده يزيد الرقاشي وهو ضعيف كما قال الحافظ. وأخرجه ابن ماجه من طرق أخرى صحيحة [4105] كما نقله المحقق الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي عن الزوائد.*

وقال بعض السلف: أنت محتاج الى الدنيا وأنت الى نصيبك من الاخرة أحوج، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر على نصيبك من الدنيا فانتظمه انتظاما. قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} الذاريات.

فأما تعيين مكسب على مكسب من صناعة أو تجارة أو بناية أو حراثة أو غير ذلك فهذا مختلف باختلاف الناس، ولا أعلم في ذلك شيئا عاما، لكن إذا عنّ للإنسان جهة فليستخر الله تعالى فيها الاستخارة المتلقاة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم، فإن فيها من البركة ما لا يحاط به. ثم ما تيسر له فلا يتكلف غيره إلا أن يكون منه كراهة شرعية. * روى البخاري [1162 فتح الباري] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السور من القرآن، يقول:" إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرك، وأسألك من فضلك العظيم. فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال: بعاجل أمري وآجله ـ فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال: عاجل أمري وآجله ـ فاصرفه عني، واصرفني عنه. واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به". قال:" ويسمي حاجته".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير