أولها: أن الزواج يبدأ بالحب والعاطفة، والحب أوله حلاوة وآخره مرارة، فهو يعمي البصر، ويصم الأذن ويغطي العيوب، فإذا زال الغطاء، ولا بد يوماً أن يزول الغطاء، وبدا المحجوب من العيوب، وظهر المستور من الأمور وافتقد الزوجان لذة الحب فلم يجداها، انتهى شهر العسل، وبدأت سنوات العلقم، فتجرعا العمر كله مرّها، وقاسياً ضرها. والدواء ألا يرقب الزوجان المحبة والعشق، فالحب عمره كعمر الورد، لا يعيش إلا أمداً قصيراً، ومن طلبه بعد عشر سنين من الزواج كان كمن يطلب من وسط القبر من العظام والرمم الغادة الحسناء والفاتنة الهيفاء. لا، ولكن مودة وإخلاص وحب كحب الأصدقاء والإخوان.
وثانيها: أن الرجل يغتفر لصديقه ما لايغتفر لزوجته، ويحمل منه ما لايحمل منها، ويتسامح معه فيما لا يتسامح فيه معها، وما ذلك إلا لأنه يصدق هذه الخرافة التي تقول: إن الرجل والمرأة كليهما مخلوق واحد، فهو يريد منها أن تفكر برأسه، وهي تريد منه أن يحس بقلبها، مع أن الناس كخطوط مستطيلة وفيها اعوجاج يسير، فإذا كانت متباعدة بدت للعين متوازية متوافقة تضيع من البعد هذه الفوارق الصغيرة بينها، فإذا تدانت وتقاربت، بانت الفجوات، فأنت تصحب الصديق عشرين سنة، فلا ترى بينك وبينه اختلافاً ثم ترافقه أسبوعاً في سفر، تنام معه وتأكل وتشرب فترى في هذا الأسبوع ما لم تره في السنين العشرين، فتشنئوه وتبغضه وقد كنت تحبه وتؤثره.
والله لم يخلق اثنين بطباع واحدة، لا الصديقين ولا الزوجين، فليكن الزوجان متباعدين قليلاً، حتى لا يظهر الاختلاف بينهما وليكن بينهما شيء من الكلفة والرسميات. . كما يكون في عهد الخطبة وأوائل الزواج، ولتكتم عنه بعض مافي نفسها، فإنه ما تكاشف اثنان إلا اختلفا. وما زالت الكلفة إلا زالت معها الألفة، لأن المرء يتظرف ليظرف، ويتلطف ليلطف، ويساير الناس ليحبه الناس، فإن لم يفعل ثقل عليهم، وأنا أعرف رجالاً من أهل النكتة والظرف، يحرص الناس عليهم في مجالسهم لخفة أرواحهم، وحلاوة أحاديثهم إذا دخلوا بيوتهم كانوا أجهم الناس وجهاً، وأيبسهم لساناً، وأثقلهم نفساً وماذاك إلا لإسقاط الكلفة، وإذهاب المجاملة.
ثالثها: أن الرجل يمشي في الطريق فلا يرى إلا نساء في أحسن حالاتهن قد طلين وجوههن، وجملن ثيابهن، ثم يدخل داره، فيرى زوجه على شر هيئة، وأقبح صورة: مصفرة الوجه، قذرة الثوب، منغمسة في أوضار المطبخ أو غارقة في غبار الكنس، فيظن أن نساء الطريق من طينة غير طينتها، وأن عندهن ما ليس عندها، فيميل إليهن وينصرف عنها، والدواء أن تكون المرأة عاقلة، فلا تجعله يراها إلا في الهيئة التي تخرج فيها من بيتها، وتستقبل عليها ضيفها، ولا تدعه يبصرها نائمة ولا يراها بغير زينة، ولا يطلع عليها في مباذلها وأعمالها.
ورابعها: أنه لا بد لكل شركة أو جماعة من رئيس، فإذا كان في المركب رئيسان غرق المركب، ولو كان في السماء والأرض إلهان فسدت السماء والأرض فلا بد من ترئيس أحد الزوجين، والرجوع عند الاختلاف إلى رأيه، واعتراف الثاني برياسته وعلى الرئيس بعد أن يكون حاكماً بعدل ورفق، وعلى المرؤوس أن يكون طيعاً بفهم واحترام.
وخامسها: أنه لا بد لدوام المودة من اغتنام الفرصة لإظهار العاطفة المكنونة بحديث حلو، أو مفاجأة منه: هدية ولو صغرت، وطرفة ولو قلت، واهتمام منها بصحته وراحة نفسه ومطعمه وملبسه وكتبه، وأن يصبر كل منهما على غضب الآخر وتعبه.
ياسادة: إن مشكلات البيت هينة سخيفة، ولكنها إن استفحلت نغصت العيش وسودت وجه الدنيا، ولم ينفع معها ملك ولا مال. ص 293 ـ 296.
وإلى كتاب آخر من كتب الشيخ رحمه الله.
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[25 Feb 2010, 03:36 م]ـ
الكتاب السابع عشر: نور وهداية، الطبعة الأولى 2007م، دار المنارة.
الباب الذي لا يغلق في وجه سائل:
ماذا يصنع الإنسان في ساعة الخطر؟ إن كل إنسان ـ مؤمنا ًكان أو كافرـ يعود في ساعة الخطر إلى الله، لأن الإيمان مستقر في كل نفس حتى في نفوس الكفار، ولذلك قيل له كافر، والكافر في لغة العرب (الساتر)، ذلك أنه يستر إيمانه ويغطيه، بل يظن هو نفسه أن الإيمان قد فُقد من نفسه، فإذا هزته الأحداث ألقت عنه غطاءه فظهر.
¥