تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

1 ـ مما نكاد نراه كل يوم من الحوادث وما يكاد يعرف له كل قارئ شبيهاً ومثيلاً، حين يأتيك الرجل من أصدقائك أو جيرانك متذللاً متواضعاً، مظهراً للتقى والأمانة، يسألك أن تقرضه مالاً قد تكون أنت في حاجة إليه في يومك أو غدك ويذكرك الكرم والثواب؛ وربما استعان عليك بمن لا يُرد طلبه عندك فتعطيه ما يريد، تضعه في كفه خالياً به، تستحي أن يشهد عليه شاهداً، أو تأخذ به كتاباً، مع أن الله أمر بكتابة الدين إلى الأجل المسمى أمر ندب واستحباب، لا أمر إيجاب وافتراض، فيأخذه منك ويذهب شاكراً فضلك، مثنياً عليك ثناءً يخجلك ويضايقك؛ ثم لا تراه بعد ذلك ولا تبصر له وجهاً فتفتش عنه لتسأله رد المال وقد انقضت مدة الدين، وتجددت حاجتك إليه، فيروغ منك، وينأى عنك. . فتطرق بابه، فيقال لك: هو غائب عن الدار، فتعود إليه في الصباح فيقال: هو نائم، فترجع بعد ساعة فيقال: خرج. . فتبتغي له الوسائل وتتشفع إليه بالأصدقاء فيلقاك شامخ الأنف مصعراً خده، ويقول: (يا أخي، أزعجتنا بهذا الدين، ما هذا الإلحاح الغريب؟ أتخاف أن آكله. .!) وينتهرك وأنت تداريه، ثم إن كان (رجلاً طيباً) دفع إليك الدين، ولكن قرشاً بعد قرش، وورقة بعد ورقة فتريق في استفياء دينك ماء وجهك، وتنفق فيه الثمين من وقتك، ثم لا تنتفع منه بشيء. وإن لم يكن صاحب ذمة أكل الدين كله، وصرخ فيك حيثما لقيك: (ما لك عندي شيء، اشتك في المحاكم!)، وهو يعلم أنه لا سند في يدك، ولا بينة لك عليه، وهبك أخذت منه كتاباً بدينك، أفتصبر على طول المحاكمة ومتابعتها وتأجيلها وتسويفها، إن ضياع المال أهون من إقامة الدعوى به.

ومثل هؤلاء المقترضين (الأفاضل) مستعيرو الكتب، أولئك الذين تركوا في قلبي غصصاً حلفت بعدها بموثقات الأيمان أني لا أعير أحداً كتاباً، ولم أنج مع ذلك منهم، ولم يرد لي إلى الآن كتاب (كشف الظنون) الذي نسيت من استعاره مني منذ إحدى عشرة سنة. ولهؤلاء المستعيرين نوادر شهدت منها العجب، منها أن أستاذاً محترماً في قومه جاءني مرة يلتمس إعارته جزءاً من تفسير الخازن من خزانة كتبي، ليراجع فيه مسألة ويرده إلي عاجلاً، ففعلت؛ وانتظرت أربع. . أربع سنوات والله، ثم ذكرته به؛ فغضب وقال: (لإيش العجلة يا أستاذ لم أراجع المسألة بعد. .!).

والذي يذكر منهم صاحب الكتاب ويتنازل فيرده إليه، يرده مخلوع الجلد ممزق الأوصال. وأنكى منه المستعير المحقق المدقق الذي يرى في الكتاب موطنا ًيحتاج إلى تعليق، فيكتب التعليقة التي يفتح الله بها عليه، على هامش كتابك بالحبر الصيني الذي لا يمحى ولا يكشط، ويذيلها باسمه الكريم!!

وربما كان هذا المدين المماطل، وذلك الذي يأكل الدين وينكره، والذي يستعير الكتاب ويمسكه، ربما كانوا عند العامة من أقطاب الوقت وأولياء الله الكبار؛ ذلك لأن الناس جهلوا حقيقة التقى وبدلوا معناه، فكان التقي في صدر الإسلام هو الذي يتقي المحارم والمظالم ما ظهر منها وما بطن، ولايدخل جوفه ولا جيبه إلا طيباً حلالاً، ويفر من مواطن الشبهات، ولا يطلب المال إلا لإمساك الرمق ونيل القوام، والعيش عيش القناعة والرضا، ولا يأخذه إلا من حله. ولم يكن الرجل ليشهد للرجل بالتقوى إلا إن صحبه في سفر، أو عامله في مال؛ فصار التقي اليوم من يكبّر عمامته، ويطول لحيته، ويوسع كمه، ولا تفارق تده سبحته، ولا يقف لسانه عن ذكر؛ ومن يتوقر ويطيل المكث في المساجد. وهذا كله حسن لا اعتراض عليه، غير أن حسنه ينقلب قبحاً أبشع القبح إذا اتخذه صاحبه أحبولة يصطاد بها الدنيا.

فكيف السبيل إلى إفهام هؤلاء الناس ما هي حقيقة التقى كيلا يعظموا اللص ويجعلوه ولياً مباركاً، ولا يغتروا بالصلاح المجاني الذي لا يكلف صاحبه مالاً، بل يجمع به المال؟!. ص142 ـ 146 بتصرف يسير.

بقية الفوائد تأتي تباعاً بإذن الله.

ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[07 Feb 2010, 07:40 م]ـ

2 ـ قد تقولون: كيف نصنع ليسود السلام ويشمله الهدوء؟

أنا أقول لكم؛ مقالة مجرب حكيم، فاستفيدوا إن شئتم من حكمتي وتجربتي. هذه (أقراص) سهلة البلع، عظيمة النفع، فيها شفاؤكم من هذا الداء:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير