يا إخواننا إن المقام مقام مصارحة ومناصحة لا مقام مداراة ومجاملة, والأمر أخطر من أن يُجامَل فيه. هل يجامل الطبيب مريضه فيقول له: "صحتك جيدة, ما بك شيء", وميزان الحرارة يشير إلى أن حرارته أربعون, أو يدل ميزان الضغط على أن ضغط دمه مئتان؟
فلا تؤاخذوني إن صرّحت وما لمّحت, وأوضحت وما لوّحت.
أيسّر الأب العربي المسلم أن تعود إليه بنته يومًا وفي بطنها حمل من غير زواج؟ هذا ما قد يجرّ إليه الاختلاط. أقول ((قد)) وهي حرف تقريب, ولو شئت لقلت ((قد)) الأخرى التي يقال في إعرابها إنها حرف تحقيق.
قلت يومًا في رائي (تلفزيون) عمّان عن الاختلاط في الجامعة كلمة سمعها الناس, وصدّق عليها كل من سمعها. قلت: أن من يضع الشابة العَزَبة بجنب الشاب العزب في الفصل, وينتظر ألاّ تنصرف أفكارهما إلا إلى شرح الأستاذ, ويأمن ألاّ يقع بينهما شيء, ولا بعد انتهاء الدوام, ولا بعد انتهاء الدوام, كمَن يضع الغاز المشتعل بجنب برميل البنزين المفتوح, وينام آمنًا ألاّ يكون انفجار!
هذا هو الحق, فلا نكن كما يُقال عن النعامة: إنها تخفي نظرها عن الصيّاد, تظن أنه لا يراها ما دامت هي لا تراه. لقد ثبت أن هذا افتراء على النعامة وأنها لا تفعله, ولكن كثيرًا من بني آدم يفعلونه!
فيا أيها الآباء انتبهوا, واسمعوا وَعُوا. إنهم يقولون: الفن, ويقولون: الرياضة, ويقولون: الروح الجامعية ... وما يقصدون –صدّقوني- ما في قرارة نفوسهم إلا هذه الرغبة المجنونة للاستمتاع بجمال بناتكم.
لما كان حكم الشكلي في الشام أحدثوا حدثًا ما سبق له مثيل, مباراة في كرة السلة بين البنات, أقصد الصبايا الكاشفات. فمنعناها أولا, ثم غُلبنا على أمرنا, والشر قد يغلب الخير. وتتابعات هذه المباريات, وكانت مناظرات بيننا وبين المروّجين لها من جنود الأستاذ إبليس لعنه الله, فكان مما قاله لي واحد منهم: إنني عدو الرياضة. فقلت له: كذّاب والله, بل أنا أحب الرياضة وأمارسها, وكنت أمارس الأثقال والملاكمة وبعض المصارعة, ولا أزال أتمرن بعض التمرينات للآن. ولكن أنتم الذي تحتجّون بالرياضة لتخفوا سوء نياتكم, وإلا فخبّرني: إذا كان همكم كله أن تنزل الكرة في السلة, فلماذا تكون المقاعد خالية في مباريات الشباب وهم أقدر عليها, فإذا كانت مباريات البنات امتلأت المقاعد كلها والممرات, وركب الناس الجدار وطلعوا على الشجر؟ أجاؤوا ليشهدوا نزول الكرة في السلة, أم جاؤوا ينظرون إلى أفخاذ البنات؟ بلاش كذب وتدجيل, وكفاية قلّة حيا!
ثم إن العاقبة على البنت, فاسمعن يا بناتي, فهذا الكلام لكنّ, والمؤامرة والله عليكن أنتنّ, وستكن أنتنّ وحدكن الضحايا.
تشترك البنت والشاب في الإثم فيكونان فيه سواء, ولكن الناس ينسون فعلته, يقولون: شاب أذنب وتاب! ويقبلون توبته ويسترون حوبته, أما البنت فلا ينسونها لها أبدًا, بل تبقى الوصمة دائمًا على جبهتها. ويمضي هو خفيفًا كأنه ما صنع شيئًا, ويبقى وزر الجريمة عليها وثقلها على عاتقها أو في بطنها.
إن أمل كل امرأة في الدنيا (حتى ملكة إنكلترا, وممثلات السينما اللواتي يبلغ دخلهن الملايين) , أملها في الزواج, ولا تتزوج إلا النظيفة الطاهرة زواجًا ناجحًا من رجل شريف طاهر.
حتى الفاسق إذا أراد الزواج لم يرضَ الفاسدة (ولو كان هو الذي أفسدها) زوجة له وأمًا لأولاده!
لا تقولوا لي هذا غير صحيح, فإني لبثت في القضاء أكثر من ربع قرن, نصفها في محكمة النقض في غرفة الأحوال الشخصية, ومرّ عليّ أكثر من عشرين ألف قضية زوجية حكمت فيها, فأنا أتكلم عن خبرة, فلا يردّ عليّ أحدٌ بلا علم.
لذلك نرى قلة الزواج والكسادَ في البنات ملازمًا للفساد.
ولا تقولي -يا بنتي- هذا شاب صالح وهذا زميل أو مدرس, فكل شاب في الدنيا يميل إلى الفتاة, وإن كان اليوم تقيًا فربما غلبته يومًا غريزته, أو رأى إبليس منه أو منك لحظة ضعف فدفع بكما إلى الهاوية.
إذا قال لك الشاب ((صباح الخير)) فإنه سيقول بعدها -إذا أنت شجّعته ووصلت حبل الكلام- كلمات الحب والغرام.
ولا تغترّي بحب الرجل, فإن أكثر الرجال يحبون ليستمتعوا ثم يتملصوا ويتخلصوا, والمرأة تحب لتستمر وتُخلص. وهذا من نتائج الوضع الحيوي (البيولوجي) لكل من الذكر والأنثى, الإنسان في ذلك والحيوان سواء, عمله مؤقت وعملها دائم.
¥