تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو الفداء أحمد بن طراد]ــــــــ[15 Apr 2010, 06:50 م]ـ

ما منا إلا من نال لذة في معصية، أو حمل ألماً في طاعة

قال الشيخ علي الطنطاوي: " إن أجلَّ فائدة استفدتها من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي لما نشره أخي، وكتبت مقدمته الطويلة هي أنه: ما منا إلا من نال لذة في معصية، أو حمل ألماً في طاعة، في رمضان هذا الذي صمناه من قريب حملنا مشقة الجوع في يومه الطويل، والعطش في حره الشديد، وكنا نشتهي في النهار كوباً من الماء البارد نشتريه بالثمن الوفير، وطبقاً من الطعام الشهي ندفع فيه الكثير، فما الذي يبقى من تعب الصيام بعد أن يؤذن المغرب فنأكل ونشرب؟

والذي غلبته نفسه، وسيره شيطانه، فأفطر في رمضان، وأعطى نفسه شهوتها، وأتبعها لذتها ..... ؟ ماذا بقى الآن من هذه اللذة، ومن ذلك الألم؟.

وتصور ساعة الموت، وفراق هذه الدنيا، تجد أن اللذات المحرمة ذهبت كلها ولكن بقى عقابها، ومتاعب الطاعات ذهبت كلها

ولكن بقى ثوابها.

هذه هي الفائدة التي استفدتها من ابن الجوزي، أتمنى لو أني أذكرها دائماً، وهيهات ما

دام الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وحب العاجلة، ما دامت كلها موجودة! ".

(ذكريات علي الطنطاوي، للشيخ علي الطنطاوي، ج2، ص 105ـ 106، دار المنارة، جُدة، 1405هـ).

ـ[أبو الفداء أحمد بن طراد]ــــــــ[15 Apr 2010, 06:52 م]ـ

الملكة و الثقافة للشيخ الأديب علي الطنطاوي سألني سائل هل الشعر مَلَكَة أم ثقافة، وأيهما أظهر أثراً في تكوين الشاعر.

وأنا أسأله قبل أن أجيبه: هل الصوت الحسن أظهر أثراً في تكوين المغني أم الثقافة الموسيقية؟ وأنا أعرف أنه سيقول، إنه لا يكون مغنياً مطرباً حتى يجمع الحسنين، فيكون حسن الصوت

(بالخلقة) واقفاً على المقامات وأصول النغمات (بالتعلم). فإن اقتصر على حسن الصوت، لم يستقم غناؤه، ولم يحفظ عنه، وربما أفسد ملكته بجهله، وإن اقتصر على الثقافة الموسيقية، وكان قبيح الصوت، لم يُطرب ولم يُعجب، هذا حق، وكذلك الشاعر.

لابد للشاعر (أولاً) من ملكة شعرية: استعداد فطري، وحسّ مرهف وخيال مبدع، وما هو من هذا بسبيل، وهذا شيءٌ لا يحصل بالمرانة، ولا يُنال بالتعلُّم، وإنما هو فطرة، كالصوت الحسن، وإن كانت الملكة تصقل وتهذب، بالاطلاع على آثار البلغاء، كما يهذب الصوت الحسن ويصقل بحفظ أصوات المغنين، ولابد له

(ثانياً) من معرفة اللغة التي ينظم فيها، والوقوف على قواعد التعبير، وسنن أهلها في كلامهم، وأن ينظر في آثار أربابها، في عصورها كلها، ويرويها رواية فهم وتذوُّق.

فإن اقتصر على الملكة وحدها، ولم يطلع على شيء من هذا كله، كان كشعراء العامة، وفي الشعر العامي ما يزري

(بصوره وأخيلته) بكثير من الشعر الفصيح، ولكنه لا يبقى، فهو كتمثال فني بالغ من الجودة غايتها، غير أنه مصنوع من الثلج، فلا تطلُّ عليه شمس الغد حتى تذوب ...

وإن اكتفي بما يأتي به الدرس، ولم تكن له ملكة قط، جاء بشعر صحيح اللغة مستقيم الوزن، لكنه خال من الطبع، ومن العاطفة، ومن الروح، تقرؤه فلا يهز أوتار قلبك، ولا يثير فيها ذكرى محببة، ولا أملاً مشتهى.

وأكثر الشعراء يجمعون الأمرين، على تفاوت حظوظهم منهما، فمن غلبت عليه الملكة كان شاعراً مطبوعاً عبقرياً، ومن غلبت عليه الصناعة كان شاعراً نابغاً مجوداً.

والفرق بين العبقري والنابغة، أن النابغة في كل فن من الفنون يمشي على رأس القافلة، سابقاً أبداً، أما العبقري فإنه يدع طريقها، ويذهب فيشق لنفسه وللناس طريقاً جديداً.

وشاعر النبوغ والقريحة، لا يظهر فنّه إلا بعد أن يكتمل درسه وتحصيله، ويتدرج فيه تدرجاً، أما شاعر العبقرية فيظهر فنه فجأة، ويكون على الغالب مبكراً فيه، وربما كمنت عبقريته أيام الصغر إذا لم يجد ما يثيرها فظهرت عند الكبر.

وشاعر القريحة يتبع نمطاً واحداً، فتى شعره كطيارت السياحة التي تطير على علوٍّ واحد، وسرعة واحدة، لا تخالفها، وشاعر العبقرية يأتي بالعالي النادر الذي لا يتعلق به أحد، ويأتي بالمضحك المزري أو المرذول التافه، كالطيارة المقاتلة تعلو حتى تسامي النجم، ثم تسِفّ حتى تمسّ الأرض.

وشاعر القريحة يجود وينقح ويصحح، ويعود على ما ينظم بالنظرة بعد النظرة، ولا يخرج شعره إلا بعد الزمن الطويل، وشاعر العبقرية، ينصبّ عليه الشعر انصباباً، فيتمخض به تمخض النفساء، فلا يهدأ حتى يأتي وليداً كاملاً وقلما يعود عليه بتنقيح وتصحيح.

وإن شئت الأمثلة، فعندك امرؤ القيس، وهو شاعر عبقري شقَّ للناس طرقاً في الشعر وعلمهم بكاء الديار والغزل العذري، والقصص، والإباحي، وإلى جنبه النابغة وزهير من شعراء القريحة، وبشَّار وأبو نواس، وأبو العتاهية من العباقرة، وإلى جانبهم شعراء العصر العباسي، مروان، ومسلم وصريع الغواني، وأشباههم. وأبو تمام وإلى جنبه البحتري، والمتنبي وإلى جنبه أبو فراس، وشوقي وإلى جنبه حافظ (1)

* * *


(1) ولقد كان من أعجب العجب، ومن الكفر في شرعة الأدب، قرن شاعرين معاً، فلا تسمع إلا (حافظ وشوقي) و (شوقي وحافظ)، وأعجب منه أن يقرن بهما خليل مطران، وهو ليس بشاعر قط، وشعره نثر موزون، ومن أنكر هذا القول مني، وصعب عليه لأن يسمع ما خالف الذي تعارفه الناس من الباطل، فليأتني بخمس مقطوعات له، فيه وثبة شعرية، أو خيال مبتكر، ومن شاء فليقابل بين قصيدته
(بعلبك) وهي خير ما في ديوانه، وبين قول شوقي في مثل موضوعها:
أفضى إلى ختم الزمان ففضه *-*-*-* وحبا إلى التاريخ في محرابه
وطوى القرون القهقرى حتى أتى *-*-*-* فرعون بين طعامه وشرابه
يجد الفرق بينهما كالفرق بين الغادة الفاتنة، والتمثال الرخامي البارد
((((((((((((من كتاب فكر ومباحث، للشيخ الأديب علي الطنطاوي ص (58ـ60) مكتبة المنارة))))))))))))))
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير